آخر الأنباء

« »

الثلاثاء، 13 يناير 2009

غزة و معركة البقاء العربية

مهما كانت درجة تحجر القلب و قسوته، مهما بلغت درجة اللا مبالاه، لا اتصور اي اب، حتي في اسرائيل نفسها، لا يعتصر قلبه من الالم لصورة جثامين الاطفال المسجاة علي الارض او صورة الاب المكلوم في اولاده و هو يواريهم الثرى. كما انني لا يمكن ان اتصور ان هناك عاقل واحد على ظهر هذا الكوكب يمكنه ان يجادل في تحديد المسئول عن هذا كله. المسئول هو من اطلق الرصاص على هؤلاء الابرياء مهما كانت الظروف،فإن قتل الاطفال و النساء و العزل طالما كان شيمة الجيش الاسرائيلي الجبان، كما ان السكوت و الاكتفاء بالنواح دون رد هو شيمتنا.

تسائلت مرارا ما الذي وصل بحال العرب الي تلك الدرجة الدنيا من الذل و المهانة، تدفعنا الايادي في الزحام و لا نجد قدرة و لا نخوة للوقوف في وجه المعتدي، نكتفي بالصراخ و العويل كالمجذوب الذي يواسي نفسه بصرخة: "انا عتريس"، يكررها مرارا مذكرا نفسه بمدي رغبته في ان يكون له صوت، متوسلا المارة بأن يعيروه اقل قدر من الاعتراف بوجوده، و لو في صورة دفعه عنهم، و أو بنظرة احتقار، فذلك علي الاقل يشعره بالوجود.

أما ما يزيد الجرح غورا، هو الحيرة التي المت بي الآن، كأن الضعف و الهوان لا يكفيان لتعميق احساسنا بالعار، يأتي الانقسام ليودي بأي امل في الخلاص، نقف جميعا شيعا و فرقا نناطح بعضنا الغضب و نتبادل الاتهامات بالعمالة، و كما قال مؤسس الوفد و زعيم الامةسعد زغلول: اصفار على اصفار لا قيمة لهم و يبقى الشعب العربي كفصيل واحد مغلوب على امره تفرق دمه بين الفصائل و الاطراف:


 

اول تلك الفصائل هي حماس و الاخوان، فهما في خندق واحد بحسب ميثاق حركة حماس:


" حركة المقاومة الإسلامية جناح من اجنحة الاخوان المسلمين بفلسطين. وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق، والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة، في التصور والاعتقاد، في السياسة والاقتصاد، في التربية والاجتماع، في القضاء والحكم، في الدعوة والتعليم، في الفن والإعلام، في الغيب والشهادة وفي باقي مجالات الحياة".

و على ذلك نستطيع ان نجزم بأن خطط و رؤي حماس، انما هي امتداد لخطط و رؤي الاخوان.   و من أهمها السعي فوق الوطنية مقابل اقامة دولة الخلافة، و أود ان أؤكد بأن هذا ليس اتهام للاخوان أو حماس بعدم الوطنية، و لكن توضيح ان ما يميز الايديولوجية الاخوانية هو الولاء للديانة قبل المواطنة، دليلنا على هذا تصريحات مثل "طظ في مصر" و " المسلم الماليزي اقرب لنا من القبطي المصري". و نحن اذ نختلف مع الاخوان ايديولوجيا
الا اننا لا نملك غير الثبات على مبادئنا الليبرالية مطالبين بحقهم في حرية الرأي و حرية التعبير عنه، و محتفظين لانفسنا بحق مواجهتهم بكل الطرق المشروعة من مواجهة الفكر بالفكر.


 

فمنذ ان استقلت حماس بقطاع غزة و نحن امام فصل جديد من فصول الانقسام العربي الذي لا يخدم بأي حال من الاحوال لا المواطن الفلسطيني و لا العربي، و يدفعنا للشك في الدافع من وراء هذا الانقسام، هل الهدف هو اقامة دويلة فلسطينية اسلامية في غزة، و تحقيق نوع من التواصل الجغرافي مع مصر، على امل تحقيق امتداد لهذه الدويلة الاسلامية في شمال سيناء، فيصبح التواصل الجغرافي مع الجماعة الام في مصر متحققا. ان اهمال هذه الفرضية يعد تهديدا مباشرا لأمن مصر القومي، فوجود دويلة اسلامية في غزة و وجود امتداد لها في سيناء، انما هو نذير حرب قادمة و مواجهة مستقبلية بين هذه الدويلة و اسرائيل، يمتد فيها مسرح العمليات الي سيناء. و بدراسة متأنية للاحداث، نجد ان اسرائيل تسعى سعيا خفيا نحو تحقيق هذا الغرض، فالحصار المفروض على غزة منذ شهور يدفع الاحداث في اتجاه و احد، و هو وضع مصر في مواجهة مع حماس، فتصبح، اي مصر، بين خيارين احلاهما مر، اما ان نفتح المعبر لنزوح الفلسطينيين لمعالجة الوضع الانساني، بما في ذلك من تعجيل بالمخطط الحمساوي، و لكنه ايضا دفعا بالخطة الاسرائيلية الى حيز التنفيذ؛ أو المواجهة المسلحة مع حماس لحماية الحدود من اجتياح حتمي نتيجة الحرب الاسرائيلية و الحصار، ناهيك عن ان هذا التحول سيودي بالقضية الفلسطينية ادرج الرياح.


 

اللاعب الثاني في هذه اللعبة هي اسرائيل، فمن المؤسف اننا لا نتعلم من العدو شيئا ، فمنذ اعلان العصابات الصهيونية قيام اسرائيل على ارض فلسطين المغتصبة و ختطهم واحدة، تتسارع احيانا، و تتباطأ احيانا اخرى، و لكنها لا تتوقف او تتغير، اسرائيل دائما تبحث عن الحرب، فالحرب هي سر بقائها. السلام بين اسرائل و جيرانها سيؤدي لانصهار الشعب اليهودي في المجتمع العربي الاكبر، مثل ما كان اليهود العرب متعايشين في المنطقة منذ عصور بعيدة. السلام سيؤدي حتما الي موت الفكرة الصهيونية و تحلل دولة اسرائيل. لذلك سبيل اسرائيل (طالما كانت قلة عددية) هو استدراج الجيران الي حروب من شأنها الحفاظ على وضعها كعدو استراتيجي، مع العمل على تعميق الفرقة بين الجيران العرب، اما عن رغبة اسرائيل في اعادة احتلال سيناء، فهذا الآن اصبح فكر متداول في اسرائيل، و العائق الاساسي هو تعداد السكان، اسرائيل اليوم لا تتعدى السبعة ملايين بكثير، و مساحة سيناء أكبر من مساحة اسرائيل، و اقامتهم اقامة مستقرة فيها يتطلب ان يتضاعف عدد سكان اسرائيل. و لكن أسرائيل لا تقف مكتوفة الايدى في انتظار وصول سكانها للرقم المطلوب، فهم يعملون على ان تكون ذريعة اعادة احتلال سيناء متوفرة، و هم كعادتهم لا يتركون امورهم لغيرهم، فهم لا يعولون على هجوم مفاجئ من العرب، فهم يعلمون، انهم اذا ارادوا الحرب، فعليهم دفع العرب اليها دفعا.

اما المجتمع الدولي، فأن له مصالح في هذه المنطقة لا نتحكم نحن فيها، فأن دورنا يأفل يوما بعد يوم، تأثيرنا نحن العرب على الرأي العام العالمي أصبح من التفاهة بأنه لا يكاد يكون محسوسا بجوار تأثير اسرائيل، حتى سلاح البترول، و ما كان له من أثر في الوقفة الوحيدة للعرب ضد اسرائيل، ادي في النهاية الى بعض التعديلات على المخطط العام الاسرائيلي المدعوم من امريكا لضمان عدم حدوث هذا الخلل مرة أخرى، و كالعادة، تنتصر الاردة الاسرائيلية و نصبح نحن عاجزين تماما عن استغلال هذا السلاح مجددا. و لابد لنا هنا من وقفة لنعتبر من دقة التخطيط، منذ حرب العراق مع ايران و دخول العراق الكويت، مرورا بحروب الخليج و الحروب على الارهاب، التي ادت في النهاية الي ما هو اهم من التواجد العسكري الامريكي في المنطقة، فهي  أدت الي الانقسام العربي، لقد اصبح العرب كالاحصنة التي تجر عربة  و لكن كل يجر في اتجاه مختلف.


 

و اخيرا نصل الي موقف مصر الأشبه بلاعب الشطرنج المبتدئ الذي فرضت عليه الظروف ان يلاعب خصما محترفا، نحن الآن نفقد القطع من فوق اللوحة واحدة تلو الاخرى و ننتظر خطوة "الكش ملك" حينما تنفجر غزة في حدود مصر، اما ان نستسلم و نفتح حدودنا، أو نقاتل اخواننا الفلسطينيين حفاظا علي القضية الفلسطينية قبل الامن القومي المصري.


 

و لكن الصورة ليست بهذه القتامة، الحل يا سادة في الحرية، في تولي الشعوب العربية امورها.  بلاش نتعلم من العدو، تعالوا نتعلم من محمود في فيلم و اسلاماه،،،،،،،،،