آخر الأنباء

« »

الأحد، 17 أبريل 2011

عفوا يا اخوان


أتابع مواقف الإخوان منذ سنين طوال و أتابع السياسيين المنتمين للإخوان و أكن لكثير منهم الاحترام، فهم سياسيون على قدر كبير من الحنكة و البلاغة السياسية، و لكنني أتعامل معهم كسياسيين، و ليس كرجال دين.  و هنا قد يتساءل البعض، و لم ننظر إليهم كرجال دين، الإجابة ببساطة: لان حتى لحظة كتابة هذه السطور، مازال الإخوان يعملون تحت مظلة جماعة دعوية أهدافها الدعوة الدينية.

من عمل بالسياسة تعلم أن يقرأ السياسيين ليس بأقوالهم فقط، بل بأفعالهم و مواقفهم. فتلك الأفعال و المواقف هي الدالة على النوايا.   و الإخوان منذ فترة ليست ببعيدة كانوا يمروا بمراحل تطور يعنيني منها تلك المرحلة من العام 2005 حتى الآن، أي منذ انتخابات مجلس الشعب التي أتت ب 88 نائب إخواني أعضاء في البرلمان، منذ ذلك الحين و انأ أتعامل معهم على كونهم سياسيين ممثلين لحزب سياسي ينتمي إلى أقصى اليمين في طيف السياسة المصرية.

وظل الإخوان طوال هذه الفترة يلعبون في المساحة المتاحة بمهارة بالغة، استغلوا كونهم جماعة محظورة خلال العهد السابق و طوعوا الموقف لصالحهم، إذ إنهم كجماعة محظورة استطاعوا أن يتغلبوا على مشكلة الإفصاح عن ما بداخلهم، لم نسمع من الجماعة رسميا إنهم تشكيل سياسي قبل الثورة،حتى محاولتهم إنشاء حزب في تلك المرحلة، و إصدارهم لما هو يمكن أن نحسبه برنامج للحزب سرعان ما تم التراجع عنه تحت حجة أن النظام لا يسمح، و هي حجة حقيقية و لكنها لا تشكل كل الحقيقة.

الإخوان يعرفون جيدا كيف يكسبوا من كل موقف، تعرضوا للأضطهاد في كل العصور، و اكتسبوا خبرة كبيرة في استغلال هذا  الإضطهاد لمصالحهم، و أصبح أسلوبهم واضح و جلي بالنسبة لكل متابع.  فالتصريحات الأخيرة التي وردت على لسان كل من الدكتور محمود عزت و المهندس سعد الحسيني القياديين بالجماعة حول تطبيق الحدود حال التمكين من الأرض، هي فصل جديد من لعبة الكر و الفر التي احترفتها الجماعة.  يطلقون بالون اختبار على لسان قيادة كبيرة في الجماعة في صورة تصريحات مثيرة للجدل، و يتركون الموقف يختمر يوم أو اثنين، ثم نجد أن هناك ردود أفعال من داخل الجماعة ذاتها تدعي أن تلك التصريحات ما هي إلا وجهات نظر أصحابها.

في الواقع، ما يحدث اليوم حدث كثيرا قبل اليوم، و لكنه لا يجب أن يحدث بعد الآن، يجب أن يخضع الإخوان في العهد الجديد لكل الأعراف و التوقعات التي تعمل بها كل التيارات السياسية الأخرى، يجب أن نعرف ما هي الثوابت التي تشكل جوهر فكر الإخوان المسلمين كحزب سياسي و ليس كجماعة دعوية، يجب أن نعرف هل هم مؤيدون للدولة المدنية كما يؤيدها الوفد مثلا، أم تعريفهم للدولة المدنية يقف عند لبس رجال الدين للبدلة بدلا من الكاكولا.

يجب أن يطالب الشعب بأكمله الإخوان بالمصارحة و الوضوح الكاملين بخصوص موقف الحزب الجديد من الجماعة، بل يجب أن يرفض الناس، و سأكون أول الرافضين، إذا كان هناك أي نوع من الارتباط بين الحزب الجديد و الجماعة الدينية، و لن نكتفي بالتصريحات قبل التأسيس بل سنراقب الأداء بعد النشأة، و أي تداخل بين الحزب و الجماعة يعرض الحزب للحل فورا لمخالفته الدستور.

بصفتي انتمي للفصيل الليبرالي المنادي بحرية الرأي و التعبير المطلقة، فانا أحارب من اجل أن يحصل الإخوان على فرصتهم الكاملة في التعبير عن مواقفهم و ثوابتهم دون أي رقابة أو وساطة، لكنني الآن أتشكك في أن هذا ما يريده الإخوان لأنفسهم، اشعر و كأن الإخوان كانوا مرحبين بالقمع حتى لا يضطروا للإفصاح عن برنامجهم، أما اليوم، فيجب أن نطالبهم نحن به فورا، و نؤكد أنه على الجميع احترام قواعد اللعبة و عدم الالتفاف عليها.
هذه الدعوة ليست للإخوان بقدر ما هي للشعب كله، فالإخوان كأي تيار سياسي لن يضطر إلى شيء لا يمليه عليه الشعب، و لذلك ارجوا أن يطالب الناس الإخوان في كل مناسبة أن يفصحوا عن ما بداخلهم، و عن نواياهم و خططهم حال وصولهم لحكم البلاد، أو التمكين حسب مفرداتهم هم.

السؤال الفصل بالنسبة لي، و الذي يجب على كل سياسي منتمي للإخوان أن يوضح رأيه فيه فورا هو:

إن جاء الإخوان للحكم، و أراد الناس أن ينتخب فصيل آخر بعد فترة، و إن كان هذا الفصيل علمانيا، هل سيسمح الإخوان بذلك؟ أم ما إن دخلوا مرحلة التمكين، فستؤول البلاد لهم و ليس لفصيل أو تيار سياسي آخر أن يدعوا بغير ما يدعوا الإخوان؟

إن إجابة هذا السؤال يجب أن تكون حاضرة في ذهن كل من يذهب لصندوق الاقتراع لينتخب حزب الإخوان الجديد

الاثنين، 11 أبريل 2011

طب يعني ايه حرية


من اجلها سالت دماء كثيرة على مر العصور، و اجتمع الناس جميعا على أنها تسبق الخبز في الأهمية، يقاتل من اجلها الفقير قبل الغني، و يضحي في سبيلها الشيوخ قبل الشباب، إنها قيمة غريزية خلقها الله سبحانه في الإنسان، بل في الحيوان أيضا.

بالرغم من بساطة مفهومها، ألا انه مازال هناك من يختلف على تعريفها، بل هناك من يرى أن الحرية تمنح من فئة إلى فئة، أو من حاكم لمحكومين، و هناك من يرى انه أولى بالحرية من غيره، و يعدد لذلك الأسباب.

مقولة جورج اوروول الشهيرة التي وردت على لسان نابليون الخنزير في كتابه الرائع مزرعة الحيوانات: "كل الحيوانات متساوية، و لكن هناك من هم متساويين أكثر"، هي جملة عبقرية ترسم فكر بعض من هم لا يفهمون معنى الحرية، أو من يريدون استعباد الآخرين مستغلين سعي الإنسان الأبدي للحرية.

الطبيعة البشرية تدفعنا دائما للخوف مما لم نألفه، فبعد عقود من غياب الحرية، و القيد في الظلام، جاءت ثورة يناير لتحررنا من الأغلال و تفتح لنا طاقة النور لنخرج و ننعم بنسيم الحرية، و لكن من الطبيعي أن نتوجس من ما هو في الخارج، بل من المطابق لطبائع البشر أن نأتمن لمحبسنا الذي ألفناه رغم مقتنا له، مقابل خوفنا من المجهول الذي ينتظرنا بالخارج!  

إن تعريف الجهاد الأكبر على انه جهاد النفس لهو أدق ما يصف هذا الشعور، فجهاد القتال و النزال لا يحتاج إلى العقل و الحكمة، أما جهاد النفس، فهو نزال بين الإنسان و نفسه، و هذه هي الشجاعة الحقيقة.

إن الحرية التي اقتلعناها من رحم النظام السابق يوم 11 فبراير ما زالت وليدة و تحتاج لكل دعم و رعاية حتى تنموا و تترعرع لتصبح شجرة كبيرة تظلنا جميعا.  و لكن علينا أيضا أن نعلم، إن تلك الحرية لم تأتى بثمن بخس، لقد سالت في سبيلنا إليها  دماء خيرة أبناء الوطن، و أنا لا اختص الشهداء الذين سقطوا في يناير 2011 فقط، بل كل من مات و سقط من اجلها منذ فجر الحضارة المصرية حتى اليوم، فشهداء 73 سقطوا من اجل أن ننعم بوطن حر، و شهداء 67 سقطوا ضحية الالتفاف على الوطن الحر، و من قبلهم شهداء 1919 و شهداء ثورة عرابي و لا استثني من ذلك شهيدا.  
تأخرت الحرية في بلادي سبعة آلاف سنة و ضحى الكثيرون بحياتهم من اجلها، فليس من حق احد أن يفرط في بوصة واحدة منها، الثمن كان باهظا، و لن نستطيع دفعه مرة أخرى.

و كيف إذن نحافظ على حريتنا الوليدة، الإجابة تكاد تكون بديهية، لقد ناضل الشعب من اجل أن يكون أمره بيده، و يجب أن يظل أمره بيده، لا يجب أن نقع في فخ استئثار فئة على أخرى أو سيطرة جماعة على مقدرات الشعب إلى الأبد.  يجب أن نحرص على أن يكون للشعب السلطة الأعلى، مع وضع الضوابط التي تتيح للشعب من يتولى عنه هذه السلطة لإدارة شئون البلاد، و ليس لتملكها، فالبلاد ملك الشعب، هو من يقرر وحده من ينيب عنه في الإدارة بطرق عملية و منطقية.

أن ذلك لن يتسنى حتى يكون لنا دستور يرقى لتلك الأحلام المشروعة، هذا الدستور ليس عقدا بين الحاكم و المحكوم فقط، بل هو العقد بيننا جميعا، و يجب أن يقف هذا الدستور على الحياد من كل الطوائف و الجماعات، يمنحها حقوقها بنفس المقدار و يقر عليها واجباتها بالتساوي.


إن الاتفاق على هذه المبادئ الأساسية لهو كفيل بأن يحفظ لنا حريتنا التي هي حق انتزعناه، و حلم نسعى لتحقيقه.