آخر الأنباء

« »

الاثنين، 28 فبراير 2011

ماذا بعد (1)



نجحت الثورة.  نعم هي ثورة، بل هي الثورة الاعظم في تاريخ البشرية، هذا ما ادعيه انا، و ظني ان هذا ما سوف يثبته التاريخ.

لا ينافس هذه الثورة في الحجم و القدر غير ما ينتظرنا من اعباء جسام لاعادة بناء الوطن الذي استرددناه في ثمانية عشر يوما، بعد فقدان دام ما يزيد على ستين سنة.  المهمة الاولى و الاصعب في نظري هي العودة للهدوء و العقل و الحكمة.  ان الثورات هي عمل يتسم بالفوران و الانفعال و هي طاقة هادرة غير موجهة، ادت الى انفجار احدث دوي هائل مما ادى الى التغيير الذي كان من المستحيل حدوثه باي طريقة اخرى.

و لكن، بعد ان حدث التغيير، لابد لصوت الحكمة ان يبدأ في الحديث شيئا فشيئا، لست من انصار كبت جماح الثورة فجأة، فالثورة قالقطار المندفع، يجب ان يأخذ وقته و مساحته في الوقوف، و لكن من الافضل ان نبدأ في اتخاذ تدابير لمرحلة ما بعد وقوف القطار.  مرحلة اعادة بناء الوطن.

أن اول هذه الخطوات هي اعادة بناء و تأهيل جهاز الشرطة،  او بمعنى ادق اعادة تهيأة مرفق الامن في الوطن.  قليلون هم من يدركون حجم المشكلة، فالناس جميعا يظنون ان الحل يكمن في ان تعود الشرطة الى الشارع.  بل ان الناس جميعا يطالبون بعودة الشرطة الى الشارع كحل فورى لكل المشاكل الامنية الحالية.  كم هم مخطئون!!!!

ان عودة نفس رجال الشرطة بنفس التدريب، و نفس القيادات و نفس التركيبة لهو ردة الى عصر ما قبل الثورة، ان الشرطة ككيان، كان احد اهم اسباب الثورة، فكيف نطالب بعودة الشرطة على ما كانت عليه مع تغييرات شكلية في الوجوه، ان اتباع نفس الخطوات يؤدي في النهاية لنفس النتائج، و كلما اسرعنا في استيعاب حجم التغيير الذي احدثته ثورة 25 يناير كلما كان افضل.  أن شعب ما قبل 25 يناير كان تحكمه شرطة ما قبل 25 يناير، اما شعب ما بعد 25 يناير لن يقبل شرطة ما قبل 25 يناير، ان الشعب اليوم لن يقبل بغير شرطة تسهر على امنه و راحته، و لا تقوم على خدمة احد غيره.

إن المشكلة في جهاز امن الوطن تكمن في العقلية التسلطية لرجال الشرطة.  عندما نأخذ في الاعتبار ان حالة الطوارئ مطبقة في مصر منذ ما يزيد على ستون عاما، فيما عدا استثناء بسيط جدا، في مراحل ما قبل عهد الرئيس الاخير، و تواصل تطبيقها في الثاثين عاما الاخيرة.  اذن نحن امام حالة دائمة و ليست حالة "طوارئ"، ان الطارئ مؤقت، اما ما نحن بصدده هو جهاز امني لم يحكم بالقانون يوما واحدا في حياته، على اعتبار ان ضباط الشرطة الاقدم اليوم تقارب مدة خدمتهم 35 عاما، فهذا الجهاز فقد القدرة على الحكم بغير "حالة الطوارئ".

أن الوطن لا يستطيع الحياة بدون امن، و من وجهة نظرى، كل قيادات الشرطة الحالية لا تصلح لقيادة جهاز مسئول عن امن الوطن، نحن في حاجة ماسة الى حلول قصيرة المدى، و حلول بعيدة المدى:

اما عن الحلول قصيرة المدى، فيجب الآن و فورا الاسراع في التحقيقات و المحاكمات في الفساد و الجرائم التي ارتكبها اعضاء في جهاز الشرطة و بالاخص الاعتداءات الاخيرة التي اودت بحياة شهداء ابرياء من خيرة شباب الوطن

يجب حل جهاز امن الدولة فورا و بدون اي تراخي.  ان هذا الجهاز كان يقوم في الاشمل الاعم من مهامه بحماية النظام السابق،و عندما يسقط النظام، فيجب ان يسقط هذا الجهاز معه.  اما في بعض الاختصاصات التي كانت تمت للامن القومي، كالارهاب  او اختراق المنظمات الارهابية للمجتمع المصري، فيمكن لجهاز المخابرات العامة تولى تلك الملفات حتي يتم انشاء جهاز امن قومي داخلي.  مع رفع يد اي جهة امنية عن ملفات الاقباط و النوبة و البدو و النقابات و الاحزاب، بل التوقف فورا عن استخدام لفظ "ملفات" لكل هذه الفئات من المجتمع التي لها ما لكل المجتمع من حقوق و عليها ما على كل المجتمع من واجبات.

يجب الآن و فورا تولي قيادة الشرطة الى رجل قانون على دراية بحقوق الانسان، و لا ينتمي الى جهاز الشرطة، و ذلك بنية ادارة الجهاز الحالى و تنقيته من لا يستطيعون التكيف مع الوضع الجديد، و ليس فقط محاسبة المخطئين و المتجاوزين.  ان هناك من رجال الشرطة من هم لن يستطيعوا مواكبة التغيير الذي عصف بالجهاز، و سوف يحاولون العودة الى الاساليب القديمة التي هي من اهم اسباب الثورة.  

يجب اعادة تأهيل من يتم اختيارهم ممن تبقى من جهاز الشرطة على احترام القانون و الحقوق العامة للمواطن و ان حرية المواطن و بالتالي الشعب في التعبير عن رايه هي من اهم اسس الامن القومي.

ان فرصة نجاح من يتولى جهاز الشرطة في المرحلة المقبلة مرهونة، في نظري، بمدى استيعابه و ايمانه بعمق التغيير المطلوب الذي فرضته ثورة يناير، و لكن ما يثير القلق في نفسي هو انني لا ارى ذلك في القيادات الحالية، و اكبر مثال على ذلك تصريحات وزير الداخلية الصادمة التي حاولت تبرير و تبرأة جهاز الشرطة من احداث يناير. 


ان المهمة في الفترة القادمة صعبة، و سوف يتحمل الشرفاء من رجال الشرطة اعباء لن يقدرون على حملها وحدهم، هم في حاجة ماسة الى دعم الشعب، و لكن الشعب لا يريد العودة الى الوراء، و على رجال الشرطة الشرفاء تنقية مؤسستهم، و تقديم الاثبات للشعب انهم جهاز آخر، غير شرطة ما قبل 25 يناير، ليس بتغيير الملبس و المظهر و الوجوه، و لكن بتغيير الفكر و الثقافة و الاقدام على خطوات جريئة مثل ما طرحنا، حت تعود الثقة مرة اخرى.