آخر الأنباء

« »

الأربعاء، 12 ديسمبر 2012

لو لسة محتار




توالت الاحداث منذ قيام الثورة و صرنا على مسافة اياماَ معدودات من ما اعتبره كثيرون اللحظة الفارقة الاهم في تاريخ مصر الحديث. السبت الموافق الخامس عشر من ديسمبر من العام الفين و اثنى عشر، تذكروا هذا اليوم جيدا، انه يوم الاستفتاء على الدستور.  و لكن هل هو فعلا استفتاء على الدستور؟

دعونا نعترف بالحقيقة المرة، عشرات الملايين من الذين سيتوجهون الي الاستفتاء سيدلون بأصواتهم  بالموافقة او الرفض على دستور لم يقرءوه، و لم تطله اعينهم لا من قريب و لا من بعيد.  بل  دعني ازيد على ذلك، بأن الفئة القليلة التي لديها من الحمية و الدافع بأن تحاول ان تقرأ هذا الدستور، ستواجه بعقبات شتي، منها صعوبة الحصول على نسخة موثقة، و قلة الخبرة و المعرفة لفهم ابعاد المواد و القدرة على قراءة ما بين السطور لاستيعاب التأثير الحقيقي للدستور على حياتهم اليومية. اذن الغلبة للمصوتين الذين لم يقرءوا او لم يستوعبوا الدستور بالقدر الكافي الذي يجعلهم يشكلون رأيا موضوعيا سواء بالقبول او الرفض.

فعلي ماذا يتم استفتاء السبت اذن؟

دعني اضع الحقيقة الثانية امامك الآن: ان مشروع مسودة الدستور هو مشروع الاخوان؛ هم من اعدوه، هم من يتحمسون له، و هم من يسعون لتمريره، لا لبس في ذلك و لا ارتباك، هم - و من والاهم من احزاب و تيارات- من يريدون هذا الدستور بأي ثمن.  أما معارضي هذا الدستور، فهم كل من عارض الاخوان في منهجهم و فكرهم،  و لا لبس في ذلك ايضا.

اذن نحن لسنا بصدد الاستفتاء على مواد الدستور، نحن ذاهبوان للاستفتاء على اقامة دولة الاخوان في مصر، بغض النظر عن ما اذا كانت مواد الدستور تقيم ذلك ام لا (و هي بالقطع ترسخ لدولة الاخوان الدينية و تثبتها) و لكنها نتيجة  حتمية فرضتها الاغلبية الكاسحة  التي ستصوت على هذا السؤال حيث انها لم تقع اعينها على سطر واحد من مواد مسودة الدستور.

ان المصوتين على الدستور يمكن تصنيفهم اذا الي ثلاث فئات، فئة موافقة على اقامة دولة الاخوان و سيكون صوتهم ب"نعم" بدون اي تردد.  و فئة رافضة لاقامة دولة الاخوان و سيكون صوتهم ب"لا" دون ادني شك او تردد.  و تبقي الفئة الثالثة التي اوجه اليها مقالي هذا.

الفئة الثالثة من المصوتين على الدستور هم من لم يحسموا امرهم بعد ظنا منهم ان الجدل الدائر الآن هو جدل على مواد الدستور، فيتقلبون بين القنوات التليفزيونية، و البرامج الحوارية، يسمعون كل وجهات النظر، و ينتهون في آخر الآمر في وضع اكثر حيرة و ايلاما عن ما كانوا عليه.  السبب في ذلك هو انهم مازالوا يحاولون الاجابة على السؤال الخاطئ، هم يحاولون ان يشكلوا قناعة حول الدستور هل هو خير للبلاد ام هو غير ذلك، و للاسف، بالرغم من ان هذا السؤال منطقي جدا و لو استقامت الامور لكان هو السؤال الواجب ان نجيب عليه، و لكن الحقيقة ان هذا السؤال غير ذي صلة الآن، حيث ان الغالبية العظمي يصوتون على سؤال آخر.

السؤال الذي ستجيب عليه يوم السبت هو السؤال الذي ستفرضه الاغلبية الساحقة و هو :"هل توافق على اقامة دولة الاخوان في مصر؟"

فعندما تقف وحدك خلف الستار، و في يدك القلم و تري امامك العلامتين، نعم و لا، اعلم انك تختار بين طريقين، طريق يقيم دولة الاخوان في مصر، و طريق يجعل من حكم الاخوان الآن مرحلة قابلة للتغيير في اطار تداول سلمي للسلطة.  لا تجهد نفسك بتحليلات و مقالات و برامج و ابحاث، مهما فعلت، اعلم انك تنتمي لاقلية صغيرة جدا عندها امل (اكبر بكثير من واقع الامور) في ان يكون الاستفتاءعلى صلاحية الدستور هو محور سؤال السبت.

  و في الختام و اذا كنت مازلت تبحث عن اشارة تهديك الي الاجابة السليمة بين سطور مواد الدستور، ادعوك لقراءة هذا التحليل. مع الاخذ بعين الاعتبار انني اعتبر نفسي من المتطرفين للدولة المدنية و لحرية الرأي و التعبير،  و من  خصوم الاخوان فكريا و سياسيا، هذا الاعتراف يجب ان يكون محط انظارك و انت تقراء الوثيقة التالية:

شرح و تفنيد مسودة الدستور


الخميس، 29 نوفمبر 2012

علشان كدة رفضنا الدستور




اتسألنا السؤال ده كتير، ازاي دخلتوا التأسيسية و ليه انسحبتوا من التأسيسية، و ايه اللي مخليكوا النهاردة واقفين في الميدان بتهتفوا ضد الدستور، و ضد الاعلان الدستوري اللي طلعوا الرئيس... اسئلة كتير و كان لازم نجاوب عليها، بالمختصر المفيد:

في الاول كنا عايزين نتفق، كان حسن النوايا هو بداية الكلام، ماهو ما ينفعش نبدء بالتخوين، وقعدنا و اتفقنا وشكلنا التأسيسية.  

كان في وثيقتين مهمين جدا موقعين عليهم:

  • الاولي وثيقة التحالف الديموقراطي من اجل مصر، و دي موقع عليها اربعين حزب تقريبا منهم الحرية و العدالة و النور، و اللي موقع عن الحرية و العدالة كان محمد مرسي رئيس الحزب وقتها.  الوثيقة دي كانت اتفاق على روح و مبادئ الدستور من حيث المادة التانية و نظام الحكم و حاجات تانية كتير خاصة بالوضع السياسي و الاجتماعي للبلد.
  • الثانية كانت وثيقة الازهر، و دي الازهر هو اللي اصدرها، لكن الاحزاب و الكتل السياسية كلها اشادت بيها و اعتبرتها مرجعية بالذات في الحقوق و الحريات من منظور اسلامي صحيح و وسطي زي ما الازهر شايف.
الوثيقتين دول هما اللي اعتبرناهم اساس الاتفاق في التأسيسية، و زي كل حاجة بتبدء كويس لكن بعد شوية بتظهر النوايا، حصل مغالطات كتير و انحرافات كتير عن الاتفاقات اللي كنا كلنا موافقين عليها، و بالتالي كان القرار بالخروج من التاسيسية، و علشان نكون في منتهي الوضوح:

الخروج من التاسيسية و اعتراضنا عليها دلوقتي هو نتيجة خروج الاخوان و السلفيين عن الاتفاق اللي كانوا موقعين عليه في الوثيقتين اللي قولنا عليهم، و بعد لف كتير و دوران كتير طلعوا دستورهم اللي اعترضنا عليه لخروجه على الاتفاق، لكن الاهم انه هيودي البلد في ستين داهية، و ذلك للاسباب الآتية:

الدستور بتاعهم بيبني الدولة الدينية بوضوح، هنا لازم نفرق ما بين حاجتين، احنا عمرنا ما كنا و لا يمكن في يوم من الايام هنكون ضد الشريعة الاسلامية و تطبيقها كاملة، لكن هنا لازم نفرق بين حاجتين، الدولة اللي بتطبق الشريعة، يعني الدولة اللي قوانينها لا تتعارض مع الشريعة الاسلامية، و زي ما قولنا احنا مع الغاء اي قانون يتعارض مع الشريعة فورا، اما الدولة الدينية، هي ان يكون في مجموعة من رجال الدين، لا انت انتخبتهم، و لا تقدر تغيرهم، و لا تملك عليهم اي سلطة هما اللي يحددوا ايه اللي ينفع و ايه اللي ماينفعش من ناحية الشريعة، خللي بالك هنا ان المجموعة دي بيصبح لها دور مهم جدا في التشريع و اصدار القوانين، لكن انت كمواطن ما تقدرش يكون ليك اي تحكم في مين هما المجموعة دي، علي عكس الدولة الديموقراطية اللي فيها انت كمواطن بتنتخب نواب الشعب (ممكن يكون بينهم رجال دين) هما اللي بيطلعوا القوانين.  و لو لقيتهم مش عاجبينك انتخب غيرهم.  لكن الدستور بتاعهم بينص على ان في جهة واحدة (هيئة كبار العلماء) هي بس اللي تحدد الحلال و الحرام لكل المجتمع.  طيب مين اللي بيعينهم؟ مانعرفش، مين اللي بيحاسبهم؟ مفيش، طب مين اللي يضمن انهم ما يكونوش من فصيل سياسي معين؟ مفيش ضمانات.  هنا كان لازم يكون لينا وقفة، لان مفيش اي ضمانات ان الشعب يقدر يختار الناس اللي هتحدد قوانينه بتتحط ازاي.


الاعتراض التاني كان على الحقوق و الحريات، صحيح ان ده من الابواب اللي قدرنا نغير في شوية، لكن هما كانوا بيصروا و بمنتهي اللف و الدوران علي وضع نصوص بالنسبة لنا كانت مرعبة في دلالتها، رغم بساطة النص.  مثلا مجموعة من النصوص بتقول ان الدولة و المجتمع مسئولين مع بعض في حماية العادات و التقاليد و الاخلاق المصرية الاصيلة، طبعا السؤال الاول بيكون طب و ايه يعني، مالها دي، حد يكره العادات و الاخلاق و يحب يحيها؟  الاجابة ببساطة طبعا لا، احنا مش ضد ده، لكن ركز شوية في كلمة المجتمع، المجتمع بقي من حقه يحمي الاخلاق، يعني لو مجموعة من الناس (جزء من المجتمع) قرروا انهم يعملوا جماعة تحمي الاخلاق (الامر بالمعروف و النهي عن المنكر مثلا) بقي عندهم غطاء من الدستور، و مش بس كدة، ده بدون ما يكون له اي نوع من المؤهلات العلمية او الاحتماعية، مجرد كونه جزء من المجتمع يكفي انه يمشي يترازل على الناس. ده غير بقي حريات الصحافة و الاعلام، الاخوان معروفين بانهم صدرهم يضيق بالمعارضة، و عايزين يتأكدوا ان الدستور هيسمح لهم في المستقبل انهم يسيطروا علي وسائل الاعلام من صحافة و تليفزيون و انترنت، صحيح اننا قدرنا نعطي حريات للمواطن و بالذات الخاصة بالحريات الشخصية، لكن حرية الرأي و التعبير من اهم الحريات اللي لازم نشدد عليها و لا يمكن بعد ثورة يناير نفرط فيها.

الاعتراض الثالث كان على نظام الحكم، ثورة 25 يناير قامت لان البلد كانت محكومة من فرد واحد و جماعته، و في مثل معروف و مبدء سياسي لا يمكن انكاره بيقول "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة"، يعني لو ملاك مش انسان اعطيته سلطة مطلقة لازم هيبقي فاسد بعد شوية، علشان كدة اعترضنا على مشروع الدستور اللي رجع سلطات مطلقة في يد رئيس الجمهورية.  في الاصل كنا بنادي بالنظام البرلماني، يعني رئيس الجمهورية مش هو اللي بيحكم، و اللي بيحكم يكون رئيس الوزراء، زي كل دول العالم ما عدا امريكا (الشمالية و الجنوبية) و فرنسا و روسيا، باقي الدول كلها بتطبق النظام ده، ليه؟ لانه نظام بيجعل الحكم في يد الرجل الثاني (رئيس الوزراء) و بالتالي بيمنع خلق فرعون من الرئيس، لانه سلطته محدودة.  الاخوان و السلفيين، علشان عارفين ان الرئيس من عندهم، اعترضوا و تحايلوا على الاتفاق ده و ارادوا انهم يتطبقوا حاجة اسمها النظام المختلط او الشبه رئاسي، اللي بالمناسبة مالوش وجود في العلوم السياسية، و بعد فترة، تحول الدستور اللي هم بيكتبوه الي سلطات اكتر من اللي موجودة في دستور 71 للرئيس. مثلا في مادة تعطي الرئيس حق انه اي حاجة يستفتي عليها الشعب حتى لو كانت ضد حكم قضائي و يعني مثلا في قصة حل مجلس الشعب بحكم محكمة القضاء الاداري، يعمل استفتاء و يرجعه!  لكن هنا لا يجب ان يصح انك تعمل استفتاء على حكم محكمة، و لازم تعرف ان مادة زي دي في الدستور الفرنسي في القرن الثامن عشر، سمحت لنابليون انه يعمل استفتاء على انه يصبح امبراطور و قد كان، و هتلر جاء بانتخابات ديموقراطية، و عن طريق الاستفتاء وسع سلطاته بشكل مرعب سمح له انه يدخل المانيا في حروب ادت لانهيارها.  بالاضافة لمواد تانية تعطي صلاحيات للرئيس بتوقيع معاهدات سيادية و معاهدات خاصة "بتعديل اراضي الدولة" يعني يغير في الحدود و الاراضي بتاعتنا.

في النهاية، مش كل اللي فوق ده  وحده هو اللي خلانا نعترض، الدستور ده عبارة عن عقد بين الدولة و المواطن، و زي اي عقدن تقراه مادة مادة ايوة، لكن لازم تقراه كله على بعضه كوحدة متكاملة، و تفهم الغرض منه كله ايه، و احنا شفنا، و بعد كدة اتأكدنا من الافعال اللي تمت بعد كدة زي الاعلان الدستوري اللي اصدره الرئيس، ان الاخوان جماعة مش عايزة تعترف بوجود اي تيار آخر، و عايزة تعزل الفصائل التانية، و بتوظف كل حاجة في ايديها علشان تحقق ده، و مستعجلين جدا لانهم حاسين ان شعبيتهم في النازل، و ممكن مايلحقوش يحققوا احلامهم في السيطرة على مفاصل الدولة.  لو الاخوان حققوا خطتهم للسيطرة على الدولة بدستورهم المشوه يبقي مش هيمشوا من الحكم، و البلد هتقلب ايران.

الاختيار لك