آخر الأنباء

« »

الأحد، 20 نوفمبر 2011

توضيح و شرح واجب (هام هام هام)

وردت لي تساؤلات كثيرة بخصوص الموقف الذي طرحته في انتخابات مصر الجديدة، و انا هنا اود ان اشرح للجميع لماذا اتخذ هذا الموقف، الذي بنيته بناء عن دراية و خبرة بالانتخابات و كيف يتم التعامل معها.

اليكم بعض الحقائق ( و ليست آراء):


  • نسبة المرشحين الفئات للعمال في دائرة مصر الجديدة تتعدي العشرة فئات لكل عامل
  • المقاعد المتنافس عليها في الفردي مفتوحة للعمال و الفئات، و ينص القانون على ان يشغل المقاعد المرشحين الحاصلين على اعلى الاصوات، على ان يكون نصفهم على الاقل  من العمال او الفلاحين.  معنى ذلك ان لو الحاصلين على اعلى الاصوات اثنين من العمال، سيمثلا معا هذه الدائرة و لن ينجح منها اي مرشح فئات.

مذكرته اعلاه هو القانون، اي عنوان الحقيقة و ليس رأيي الشخصي، ارجوا ان تكون هذه النقطة واضحة، اما عن تحليلي الشخصي، الذي يستند الى خبرتي في الانتخابات فهو كالتالي:

بفرض ان عدد الناخبين في مصر الجديدة مائة الف ناخب، اذا صوت كل ناخب لعامل واحد و فئات واحد، ستصبح الاصوات المائة الف مقسمة على تسعة عمال هم عدد مرشحين العمال، اي بنسبة متوسط تزيد عن الاحد عشر الف صوت تقريبا، و في المقابل، نقسم عدد الاصوات على المرشحين الفئات، فنجد ان متوسط الاصوات لكل مرشح فئات يكون اكثر من الف صوت بقليل، مما يعني ان فرصة اي مرشح عمال افضل حسابيا عشرة مرات من اي مرشح فئات.

معنى هذا الكلام ان بحساب الاحتمالات، فرصة ان يكون ممثلي دائرة مصر الجديدة الاثنين من العمال تتعدى عشرة اضعاف ان يكون هناك مرشح فئات.

الحل:
التصويت لمرشحين اثنين من الفئات، قانونا هذا لا يبطل الصوت على الاطلاق، ان ما يبطل الصوت هو اختيار اكثر من او اقل من اثنين مرشحين، اما الاختيار بالصفة التي ترغب فيها لا يبطل الصوت، هذا لا يعني نجاح اثنين من الفئات باي حال من الاحوال، و لكنه يساعد على ان يرجح كفة المرشحين الفئات امام هذه النسبة المرعبة التى يكاد يكون من المستحيل ان يتجاوزها اي مرشح فئات مهما بلغت قوته.

في النهاية سينجح مرشح العمال الحاصل على اعلى الاصوات، و لكن الاقتراح اذي اقدمه اليكم سيساعد مرشحي الفئات، و لن يبطل اصواتكم.

ارجوكم انشروها في كل الدوائر التي بها نفس الفارق الكبير بين عدد مرشحي الفئات و العمال، ستجدون من ينكروا ما اقوله، و ردي هو انا أثير الموضوع، و عليكم التأكد منه، و لكن اخطر شيء الا تفعل شيئأ..


الأربعاء، 26 أكتوبر 2011

انتبهوا ايها السادة

 

تابعتم ما انتهت اليه الانتخابات في تونس، و ادت الى فوز ساحق نسبيا للتيار الاسلامي المتمثل في حزب النهضة، و هو المكافئ تماما لحزب الحرية و العدالة في مصر.

بالرغم من ان هذا الفوز مستحق عن طريق صندوق انتخابي و عملية كانت في مجملها نزيهة و شفافة بشهادة المراقبين الدوليين الذين سمح لهم بمراقبة تلك الانتخابات، و لكننا يجب ان نأخذ في عين الاعتبار بعض النقاط الاساسية التي يجب ان تراعى في مصر، حيث ان العدد المتوقع في مصر سيكون اضعاف العدد الذي خرج للتصويت في تونس مما سيعظم من تأثير بعض التكتيكات الانتخابية المستخدمة من قبل المرشحين ذوي الخبرة.

بداية يجب ان نسرد بعض الحقائق الحسابية، و اهمها ان الناخبين المسجلين بجداول الانتخابات يزيدون اليوم عن 50 مليون ناخب طبقا لما اعلنته اللجنة العامة للانتخابات.  قياسا على الاستفتاء الذي خرج فيه قرابة ال 18 مليون ناخب للأدلاء بأصواتهم، و استنادا للعرف الذي يعمل به في كل الدول ان الانتخابات نظرا لطبيعتها التنافسية تجذب عددا اكبر من الاستفتاءات، من الممكن اذن ان نتوقع نسبة خروج للانتخاب بما لا يقل عن 25 مليون ناخب على اقل تقدير، و من المتوقع ان تصل الى 30 مليون ناخب اي بنسبة 60% و هو في تقديري الشخصي رقم واقعي جدا.

بقى ان نعرف ان عدد الصناديق المتاحة لتلقي اصوات الناخبين لن تزيد عن 52 الف صندوق، ايضا طبقا لما اعلنته اللجنة و بما هو معلوم من تقسيم لجان الانتخاب على الاقسام في الدوائر.

الحقيقة الاخيرة هي المدة الزمنية المتاحة للناخب للأدلاء بصوته.  يعلم من صوت في الاستفتاء الاخير، ان عملية الكشف عن اسمه، و تسليمه بطاقة الاقتراع، ثم ذهابه خلف الساتر و تسجيل صوته، ثم العودة الى القاضي لوضع اصبعه في الحبر الفسفورى لم تستغرق اقل من خمس دقائق، و انا اتوقع ان تستغرق اكثر قليلا هذه المرة نظرا للاختلافات الآتية:

  • الكشوف ستكون ملزمة للقاضي، بمعني يجب ان يتأكد من وجود اسم الناخب في الكشف المسجل امامه، على عكس الاستفتاء حيث كان سمح لأي مواطن الادلاء بصونه في اي لجنة
  • اختلاف ما يتم التصويت عليه، الناخب هذه المرة امام مهمة اعقد، و هي اختيار شخص و حزب يمثلونه من ضمن قائمة ستحتوي غالبا على ما لا يقل عن ثلاثين اسما و قائمة حزبية.

مما سبق، يجي ان نعي ان العملية الانتخابية سيكون عليها اقبال شديد و سوف تستغرق وقتا كبيرا، مما سوف يحرم البعض من التصويت نتيجة عدم تمكنهم من الوصول للصندوق في الوقت المتاح و هو من الساعة الثامنة صباحا الى الساعة الخامسة مساء.

الرسالة الاهم، ان هناك تيارات منظمة، لهل خبرة طويلة بالانتخابات، و نعي تماما هذا الدرس الحسابي البسيط، و سوف يستغلونه عن طريق حشد مؤيديهم من الصباح الباكر و الوقوف في طوابير طويلة جدا لضمان وصولهم للصناديق، و العمل على ان يمل المنافسين من طول الانتظار حتى تغلق اللجان دون ان يصوت من يكونوا ضدهم بالأعداد التي تؤثر على فوزهم.

وجب علينا التنبيه لكل من نعرفه بأن هذا اليوم سيكون يوم مصيري، و سوف يحدد الاتجاه الذي سوف نذهب اليه، اما الدولة المدنية التي نبتغيها، او ما لا يعلمه الا الله. 

خلاصة الكلام: يوم الانتخابات، سيكون يوم طويل و عصيب، لا تنشغل بشيء آخر في هذا اليوم، اذهب و انت متوقع ان تقضي اليوم بأكمله في طابور الناخبين، لا تتملل، و لا تيأس، و لا تذهب وحدك، اذهب و اصطحب اكبر عدد ممكن من الناس. و بدأ السأم يتسرب الى قلبك يومئذ تذكر من دفع حياته ثمنا لكي تقف انت في هذا الموقف.

الخميس، 8 سبتمبر 2011

و هنا مكمن الخطورة

 

اقف على النقيض من فكر الاخوان و بالأخص مشروعهم الذي يتخذ من مصر محطة في مشروع و ليس كل المشروع الذي هو دولة “اسلامية” موحدة.  مع هذا، انا احترم ان لهم رؤية، قد اختلف معها، و لكنني احترم المناديين بها، فأنا لا اطعن في وطنيتهم او اخلاصهم و لا في اعتقادهم بأن مشروع النهضة الاسلامي الذي ينادون به هو الاحسن لمصر. المشكلة انني لا ارى ذلك.

مبدئيا، مشروع الاخوان هو مشروع من صنع البشر، و ليس مشروع الهي منزل، و صبغته بالصبغة الربانية هو مناورة سياسية اكسبته شعبية عند العامة.  نعم لم يدعى احد من الاخوان ( او على الاقل من قيادتهم) ان المشروع الهي، و لكن امتناعهم عن تأكيد ان مشروعهم مشروع من صنع البشر، مثله في ذلك مثل مشروع حزب الوفد مثلا، اعطى صبغة دينية ربانية لذلك المشروع عند العامة، و اكسبه رصيد من الشعبية على البرامج الاخرى المطروحة، و هذا اول مأخذ آخذه على اسلوب الاخوان.

و لكن المأخذ الاكبر و الاهم، هو كيف ينفق الاخوان  هذا الرصيد الشعبي الهائل الذي اغتنموه بفضل اختلاط الرباني بالإنساني عند العامة،

من حق الاخوان مثلهم مثل اي فصيل سياسي السعي للحكم، هذا حق اصيل لا ننكره عليهم،  و لكن ننافسهم عليه، و هذا حق اصيل لنا ايضا، انا لا ازايد عليهم كفصيل سياسي من حقة ان يستخدم كل الكروت المتاحة لديه للوصول الى تحقيق اهدافه التي يراها هو مشروعة. و لكن من حقنا ايضا ان نستخدم اهم كرت في ايدينا و هو مناظرتهم مناظرة الند للند، و ليس على اساس ان برنامجهم الهي، و برامجنا بشرية.

أنا على يقين ان الاخوان لا يطمعون في السلطة التنفيذية في الوقت الحالي، على الاقل ليس منفردين، و انا اتفهم هذا الموقف كسياسي، حيث ان الحكومة القادمة ستكون حكومة في مأزق حقيقي فمن المؤكد انها لن تستطيع تحقيق طموحات الشعب في فترة حكمها و بالتالي ستنال سخط الناخبين مما سيؤدي الى فشلها في الانتخابات التالية.  اتخيل ان هدف الاخوان الحقيقي هو السلطة التشريعية، و اتصور انهم سوف يسعون للسيطرة على البرلمان القادم بنسبة مريحة و لكن ليس بالأغلبية الظاهرية، اثق انهم سيلتزمون بالنسبة التي اعلنوا عنها و هي التي لن تتعدى الثلث الا بقليل، و قد تصل الى اقل من النصف، و لكن سيسعى الاخوان للسيطرة على انجاح الثلث الثاني مما يضمن لهم تمرير ما يريدون من قوانين في الفترة القادمة.

و سيعمل الاخوان ايضا على تهدئة الرأي العام بخصوص تشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة دستور البلاد، فما نغفله جميعا، ان الدستور الذي ينص على مدنية الدولة، لا يقف حائلا ضد مشروع الاخوان، فمن الممكن تطبيق كل ما يريده الاخوان بالرغم من وجود دستور ينص على مدنية الدولة. 

ماذا يريد الاخوان اذا؟

سيعمل الاخوان على فك كل الخيوط و الاواصر التي تربط مصر بالغرب، و اعادة شبكها بالدول التى تشترك معهم في المشروع الاكبر، و ذلك سيتم عن طريق سن بعض القوانين البسيطة، كمثل الدفة الصغيرة التى تعيد توجيه السفينة الكبيرة.

اول هذه القوانين سيكون منع ما سيسمونه بالعري على الشواطئ العامة، و سيتم تحت شعار العادات و التقاليد المصرية، مما سيكسبه شعبية و يضمن عدم وجود مقاومة لتمريره.  تبعات هذا القانون هي القضاء على السياحة الواردة لمصر من الغرب، فاعتماد مصر على السياحة الغربية هو اهم الروابط التي ذكرتها اعلاه.

الرابط الثاني، هو فك اي اعتماد لاقتصاد مصر على الاقتصاد الغربي (الاتحاد الاوروبي و الولايات المتحدة تحديدا) و الحل هنا هو اصدار تشريع يهدم البنية التحتية المالية عن طريق تحريم الفوائد الربوية، و هذا ايضا سيكون قانون سهل التمرير في البرلمان عن طريق الاغلبية التي ستؤول لهم.  و من توابع هذا القانون، ان الاقتصاد المصري سينفتح اكثر على دول مثل السعودية و ايران و يرتبط بها اكثر من ارتباطه بالغرب كما هو الحال حاليا.

ان تحقيق ذلك سيعد مسرح الاحداث في مصر لتقبل خطوات أكثر جرأة و صراحة في التوجه نحو النظام الوهابي الذي يمثل اصل المشروع الاساسي لدولة الخلافة، و الذي قام عليه فكر الاخوان على يد مؤسسها الشيخ حسن البنا.

بقى ان نذكر، ان مجرد البدء في هذا المشروع يجعل العدول عنه شبه مستحيل، اذا نجح الاخوان في تحويل الدفة، فلا سبيل للوصول الى الدولة المدنية الحديثة التى ننادي بها كليبراليين.  انا لا أطالب بالحجر على مشروع الاخوان، و لكنني اطالب بالمصارحة و المكاشفة، يجب علينا مناظرة الاخوان في خطتهم و برامجهم، هم يتحملون مسئولية انهم التيار الاكثر تواجدا على الساحة، مما يلزمهم بالإفصاح عن تفاصيل ما ينوون عمله، حتى وان لم يطالبهم الشعب بذلك.

على الجانب الآخر، ادعو الناس بعدم الانشغال بقضايا اخرى غير هذه القضية، دعونا مما نحن فيه الآن من الانشغال بقضايا فرعية و التركيز على قضية الانتخابات، و ما ستسفر عنه، و يجب الا نجعل مهمة اي جهة فيها سهلة، فيجب على من سيفوز في الانتخابات القادمة ان يكون قد قدم للشعب برنامجا واضحا لا يقبل التأويل و التفسير فيما بعد، دعونا لا ننخدع بمعسول الكلام، فالوقت يداهمنا.

الأحد، 31 يوليو 2011

الدولة المدنية، اشمعنى!!!!


<p>More than one million protesters taking part in the Unity and People's Will protest, Tahrir Square, 29 July, 2011. Political parties as well as Islamist groups called for a million-member rally to unify demands. However, Islamists dominated the square and shouted Islamic slogans.<br />
 </p>
الجمعة الماضية كانت يوما فارقا في طريق التحول الديموقراطي الذي بدأناه يوم 25 يناير و ذلك لعدة اسباب:
انا ارى انها كانت جمعة وضع النقاط على الحروف، لقد تحدد بما لا يدع مجالا للشك ان في مصر الآن تياران، التيار الذي اسميته انا التيار المحافظ، و الذي يطلق على نفسه تيار القوى الاسلامية.  ذلك التيار الذي اختار ان يظهر الآن في استعراض واضح لقدرته على الحشد في مليونيه جديدة اراد بها تبليغ رسالة الى اطراف عدة اهمها المجلس الاعلى للقوات المسلحة. فبالرغم من ان ظاهر هذه المليونيه هو التأكيد على تأييد هذا التيار للمجلس الأعلى، إلا ان الرسالة كانت رسالة تحذيرية رافضة توجه المجلس لإصدار وثيقة اعلان المبادئ  الفوق الدستورية، التي توافقت عليها القوى الوطنيه بما فيهم الاخوان المسلمين انفسهم.
أن هذا الرفض يضع محل شك نوايا التيار الاسلامي او المحافظ و مدى التزامهم بأن المرحلة القادمة هي مرحلة توافق بين كافة القوى و الاطياف السياسية في مصر لتحقيق الهدف المنشود، بل اكاد اجزم ان الوضع اصبح من الخطورة بأن اعلانهم الرفض التام لهذه الوثيقة و استخدامهم للغة التهديد الصريح في حالة اقرار المجلس هذه الوثيقة يضع المجلس الاعلى للقوات المسلحة في وضع لا يحسد عليه، هل يستطيع المجلس الاعلى الوفاء بالتزامه بتسليم الدولة لسلطة مدنية منتخبة و الدخول في مواجهة مباشرة و مبكرة مع التيارات المتشددة؟ أم سيرضخ المجلس الاعلى لتهديدات يوم الجمعة الماضية و يحيد عن التزامه بعدم السماح لفئة بالقفز على السلطة؟؟
السبب الثاني الذي يضع اهمية بالغة لأحداث الجمعة الماضية هو كشف مدى تفتت القوى الأخرى الداعية لما سميناه بالدولة المدنية، او من يطلقون على انفسهم القوى الليبرالية.  لقد ظهرت تلك القوى جميعا كاللاعب الهاوي الذي يقابل لاعبا محترفا في مباراة غير متكافئة فأخذ يندد بالحكم.  لقد كشفت احداث يوم الجمعة عن خطورة و دقة وضع القوى الليبرالية و هو وضع لا نحسد عليه!!  اثبتت الجمعة الماضية ان تلك القوى لم تعي درس 19 مارس و لم تعمل لتلافي اخطائه بل لجأت لنفس الاسلوب في المواجهة و الذي سيؤدي حتما في كل مرة الى نفس النتائج.
الحل يا سادة في الخطاب الذي يمكن لنا ان نواجه به الخطاب الديني المتشدد و الداعي لأسلمة الدولة على غرار بعض الدول التي رفعت اعلامها يوم الجمعة الماضية.  و حتى يتسنى لنا ذلك، يجب ان يتحول الحوار الى حوار سياسي و ليس حوار ديني، يجب الا نستدرج الى ملعب الدين الذي يتفوق فيه المشايخ قبل بدء الحوار. و يجب ان يكون الحوار حول برامج سياسة عملية تمس حياة المواطن العادي.
و لكن قبل هذا و ذاك، لا سبيل غير وحدة صف القوى المواجهة للتيار المحافظ، و ترك الاختلافات و تنحيتها جانبا، و العمل على تكوين جبهة موحدة تعمل وفق برنامج واضح و معلن، و تكون من القوة بان تطرح على المواطن منهجا يفسح المجال للدين ان يأخذ مساحته في قلبه و يوقره و يجله، و لكن في ذات الوقت، يضع خطة واقعية قابلة للتطبيق هدفها تحقيق اهداف الثورة التى خرجنا جميعا ننادي بها و هي الخبز و الحرية و العدالة الاجتماعية.
ارى ان علينا ان ننتظر رد المجلس الاعلى للقوات المسلحة، و سيأتي هذا الرد ضمنيا في رسالتين: الاولى هي يوم 3 اغسطس حين يمثل الرئيس المخلوع امام القضاء، فتتجدد الثقة في قيادة المجلس للدولة في المرحلة الانتقالية، اما الثانية فهي كيف سيجدد المجلس التزامه للشعب بالدولة المدنية التي وعدنا بها.  حينئذ، سنقف جميعا صفا واحدا متراصا خلف المجلس داعمين له و مساندين له حتى يعبر بنا الى بر الامان

الأربعاء، 27 يوليو 2011

رحلة تاكسي


اليوم كنت على موعد مع لقاء ممتع مع واحد من الناس، سائق تاكسي مصري اصلي يتمتع بخفة الظل المصرية المعروفة، و بالإضافة لحكمة سائقي التاكسي التي طالما اذهلتني. فكم من الافكار تأتي من الشارع، و من افضل من سائقي التاكسي لتجميع رأي الشارع.
تحدثنا كثيرا في امور عدة، لقد كان المشوار اليوم من مصر الجديدة حتى المهندسين، و لكنني لم اشعر بطول المشوار على الاطلاق.  سالته في البداية عن سيارته الصينية الصنع و عن مدى رضاه عنها و عن مشروع التاكسي الجديد، لم احتاج الى كثير من الكلمات، بل كأنني ضغط على موضع الالم، لقد سالت من فم الرجل انهار و انهار من السباب و الشتائم في حق وزير المالية السابق و بين وصلات السباب بعض الكلمات لتوضيح ما يؤكد لي الرجل انها الحقيقة بعينها، بدأت قصة الرجل بان “الحكومة” خدت منه عربيته البيجو اللي كانت حالتها زي الفل و مش مكلفاه غير الزيت و البنزين، اللي كمان كان 80. و حسبوها ب خمسة آلاف جنيه، في حين ان تمنها بره ستين الف جنيه، و يستطرد الرجل منبها اياي عن السبب الرئيسي وراء المشروع:  “الاجنصات اللي حالها واقف اشتغلت، و البنوك اللي حالها كان واقف علشان الازمة المالية اشتغلت، و احمد عز خد العربيات القديمة حديد و ببلاش، يعن كله كسبان، و قالولنا ان القسط هيجيبوا شركة اعلانات تدفع نصه! دلوقتي شركة الاعلانات انسحبت، و السواق الغلبان هو اللي شال الليلة.
بغض النظر عند دقة ما سرده و لكن انا أتساءل اين شركة الاعلانات التي كانت ستتحمل تكلفة الاقساط عن كاهل السائقين؟  لقد فرض النظام السابق على السائقين استبدال سياراتهم القديمة، و لكن كان يجب ان يكون المشروع مجدي للسائق، اما بعد انسحاب شركة الاعلانات، و هي بالمناسبة انسحبت قبل الثورة، فتركت المشروع ليس فقط غير مجدي للسائق، بل هو الخراب بعينه، فمن اين يأتي السائق بمبلغ لا يقل عن 1300 جنيه كل شهر هي ثمن القسط بالإضافة الى مصاريف السيارة من صيانة و بنزين و خلافه، و هي حسب كلامه لا تقل عن 1500 جنيه اخرى في الشهر. اي المطلوب من السائق الآن ان يتحصل على ما لا يقل عن 4000 جنية، اي بواقع 130 جنيه على الاقل في اليوم حتى يتسنى له العيش عل حد الكفاف.
المذهل في الامر، هو نظرته الفلسفية لما يجري في البلد، لقد حاكم هو النظام السابق و اعلن الحكم العادل من وجهة نظره، و التي ارى انه فعلا الحكم الامثل على كل رموز النظام السابق.  فكرة صديقي سائق التاكسي تتلخص في الافراج عن كل افراد النظام السابق، و مع تخصيص معاش 300 جنيه في الشهر لكل منهم، و تركهم ليتذوقوا مرار العيش الذي سببوا للملايين فيه، قال لي:” انا عايز سوزان بقى تلبس الجلابية السودا و تنزل تقف في طابور المعاشات قدام البوسطة من الساعة ستة الصبح للساعة ثلاثة بعد الضهر علشان تتحصل على المعاش. انما الاعدام و السجن دول راحة بالنسبة لهم.
و شهد ايضا محمد صديقي على ثورة التحرير و قال: “حالي واقف و الشغل مفيش من يوم 25 يناير، و سمعت ان بيدوا فلوس و كنتاكي، روحت قلت آكل انا الكنتاكي و آخذ الفلوس للعيال، روحت لا لقيت كنتاكي، و لا لقيت فلوس، لقيت ناس في ايده رغيف واحد و بيقسمه مع اللي جنبة اللي ميعرفوش، و احد جايب بلح، و بيعزم على الناس، و محدش بياخد اكتر من بلحة، بصراحة لقيت جو مشفتوش قبل كده، بقيت اروح كل يوم”
استمتعت بالرحلة ايما استمتاع، و تركت الرجل بعد ان تواعدت معه بأن القاه مجددا، و طلبت منه الا يترك حقه مرة اخرى و ان يتأكد من كل من حوله يحسنون اختيار من يمثلوهم و يحكمونهم.
و بصراحة تركته و انا متطمئن على مصر

الأحد، 17 أبريل 2011

عفوا يا اخوان


أتابع مواقف الإخوان منذ سنين طوال و أتابع السياسيين المنتمين للإخوان و أكن لكثير منهم الاحترام، فهم سياسيون على قدر كبير من الحنكة و البلاغة السياسية، و لكنني أتعامل معهم كسياسيين، و ليس كرجال دين.  و هنا قد يتساءل البعض، و لم ننظر إليهم كرجال دين، الإجابة ببساطة: لان حتى لحظة كتابة هذه السطور، مازال الإخوان يعملون تحت مظلة جماعة دعوية أهدافها الدعوة الدينية.

من عمل بالسياسة تعلم أن يقرأ السياسيين ليس بأقوالهم فقط، بل بأفعالهم و مواقفهم. فتلك الأفعال و المواقف هي الدالة على النوايا.   و الإخوان منذ فترة ليست ببعيدة كانوا يمروا بمراحل تطور يعنيني منها تلك المرحلة من العام 2005 حتى الآن، أي منذ انتخابات مجلس الشعب التي أتت ب 88 نائب إخواني أعضاء في البرلمان، منذ ذلك الحين و انأ أتعامل معهم على كونهم سياسيين ممثلين لحزب سياسي ينتمي إلى أقصى اليمين في طيف السياسة المصرية.

وظل الإخوان طوال هذه الفترة يلعبون في المساحة المتاحة بمهارة بالغة، استغلوا كونهم جماعة محظورة خلال العهد السابق و طوعوا الموقف لصالحهم، إذ إنهم كجماعة محظورة استطاعوا أن يتغلبوا على مشكلة الإفصاح عن ما بداخلهم، لم نسمع من الجماعة رسميا إنهم تشكيل سياسي قبل الثورة،حتى محاولتهم إنشاء حزب في تلك المرحلة، و إصدارهم لما هو يمكن أن نحسبه برنامج للحزب سرعان ما تم التراجع عنه تحت حجة أن النظام لا يسمح، و هي حجة حقيقية و لكنها لا تشكل كل الحقيقة.

الإخوان يعرفون جيدا كيف يكسبوا من كل موقف، تعرضوا للأضطهاد في كل العصور، و اكتسبوا خبرة كبيرة في استغلال هذا  الإضطهاد لمصالحهم، و أصبح أسلوبهم واضح و جلي بالنسبة لكل متابع.  فالتصريحات الأخيرة التي وردت على لسان كل من الدكتور محمود عزت و المهندس سعد الحسيني القياديين بالجماعة حول تطبيق الحدود حال التمكين من الأرض، هي فصل جديد من لعبة الكر و الفر التي احترفتها الجماعة.  يطلقون بالون اختبار على لسان قيادة كبيرة في الجماعة في صورة تصريحات مثيرة للجدل، و يتركون الموقف يختمر يوم أو اثنين، ثم نجد أن هناك ردود أفعال من داخل الجماعة ذاتها تدعي أن تلك التصريحات ما هي إلا وجهات نظر أصحابها.

في الواقع، ما يحدث اليوم حدث كثيرا قبل اليوم، و لكنه لا يجب أن يحدث بعد الآن، يجب أن يخضع الإخوان في العهد الجديد لكل الأعراف و التوقعات التي تعمل بها كل التيارات السياسية الأخرى، يجب أن نعرف ما هي الثوابت التي تشكل جوهر فكر الإخوان المسلمين كحزب سياسي و ليس كجماعة دعوية، يجب أن نعرف هل هم مؤيدون للدولة المدنية كما يؤيدها الوفد مثلا، أم تعريفهم للدولة المدنية يقف عند لبس رجال الدين للبدلة بدلا من الكاكولا.

يجب أن يطالب الشعب بأكمله الإخوان بالمصارحة و الوضوح الكاملين بخصوص موقف الحزب الجديد من الجماعة، بل يجب أن يرفض الناس، و سأكون أول الرافضين، إذا كان هناك أي نوع من الارتباط بين الحزب الجديد و الجماعة الدينية، و لن نكتفي بالتصريحات قبل التأسيس بل سنراقب الأداء بعد النشأة، و أي تداخل بين الحزب و الجماعة يعرض الحزب للحل فورا لمخالفته الدستور.

بصفتي انتمي للفصيل الليبرالي المنادي بحرية الرأي و التعبير المطلقة، فانا أحارب من اجل أن يحصل الإخوان على فرصتهم الكاملة في التعبير عن مواقفهم و ثوابتهم دون أي رقابة أو وساطة، لكنني الآن أتشكك في أن هذا ما يريده الإخوان لأنفسهم، اشعر و كأن الإخوان كانوا مرحبين بالقمع حتى لا يضطروا للإفصاح عن برنامجهم، أما اليوم، فيجب أن نطالبهم نحن به فورا، و نؤكد أنه على الجميع احترام قواعد اللعبة و عدم الالتفاف عليها.
هذه الدعوة ليست للإخوان بقدر ما هي للشعب كله، فالإخوان كأي تيار سياسي لن يضطر إلى شيء لا يمليه عليه الشعب، و لذلك ارجوا أن يطالب الناس الإخوان في كل مناسبة أن يفصحوا عن ما بداخلهم، و عن نواياهم و خططهم حال وصولهم لحكم البلاد، أو التمكين حسب مفرداتهم هم.

السؤال الفصل بالنسبة لي، و الذي يجب على كل سياسي منتمي للإخوان أن يوضح رأيه فيه فورا هو:

إن جاء الإخوان للحكم، و أراد الناس أن ينتخب فصيل آخر بعد فترة، و إن كان هذا الفصيل علمانيا، هل سيسمح الإخوان بذلك؟ أم ما إن دخلوا مرحلة التمكين، فستؤول البلاد لهم و ليس لفصيل أو تيار سياسي آخر أن يدعوا بغير ما يدعوا الإخوان؟

إن إجابة هذا السؤال يجب أن تكون حاضرة في ذهن كل من يذهب لصندوق الاقتراع لينتخب حزب الإخوان الجديد

الاثنين، 11 أبريل 2011

طب يعني ايه حرية


من اجلها سالت دماء كثيرة على مر العصور، و اجتمع الناس جميعا على أنها تسبق الخبز في الأهمية، يقاتل من اجلها الفقير قبل الغني، و يضحي في سبيلها الشيوخ قبل الشباب، إنها قيمة غريزية خلقها الله سبحانه في الإنسان، بل في الحيوان أيضا.

بالرغم من بساطة مفهومها، ألا انه مازال هناك من يختلف على تعريفها، بل هناك من يرى أن الحرية تمنح من فئة إلى فئة، أو من حاكم لمحكومين، و هناك من يرى انه أولى بالحرية من غيره، و يعدد لذلك الأسباب.

مقولة جورج اوروول الشهيرة التي وردت على لسان نابليون الخنزير في كتابه الرائع مزرعة الحيوانات: "كل الحيوانات متساوية، و لكن هناك من هم متساويين أكثر"، هي جملة عبقرية ترسم فكر بعض من هم لا يفهمون معنى الحرية، أو من يريدون استعباد الآخرين مستغلين سعي الإنسان الأبدي للحرية.

الطبيعة البشرية تدفعنا دائما للخوف مما لم نألفه، فبعد عقود من غياب الحرية، و القيد في الظلام، جاءت ثورة يناير لتحررنا من الأغلال و تفتح لنا طاقة النور لنخرج و ننعم بنسيم الحرية، و لكن من الطبيعي أن نتوجس من ما هو في الخارج، بل من المطابق لطبائع البشر أن نأتمن لمحبسنا الذي ألفناه رغم مقتنا له، مقابل خوفنا من المجهول الذي ينتظرنا بالخارج!  

إن تعريف الجهاد الأكبر على انه جهاد النفس لهو أدق ما يصف هذا الشعور، فجهاد القتال و النزال لا يحتاج إلى العقل و الحكمة، أما جهاد النفس، فهو نزال بين الإنسان و نفسه، و هذه هي الشجاعة الحقيقة.

إن الحرية التي اقتلعناها من رحم النظام السابق يوم 11 فبراير ما زالت وليدة و تحتاج لكل دعم و رعاية حتى تنموا و تترعرع لتصبح شجرة كبيرة تظلنا جميعا.  و لكن علينا أيضا أن نعلم، إن تلك الحرية لم تأتى بثمن بخس، لقد سالت في سبيلنا إليها  دماء خيرة أبناء الوطن، و أنا لا اختص الشهداء الذين سقطوا في يناير 2011 فقط، بل كل من مات و سقط من اجلها منذ فجر الحضارة المصرية حتى اليوم، فشهداء 73 سقطوا من اجل أن ننعم بوطن حر، و شهداء 67 سقطوا ضحية الالتفاف على الوطن الحر، و من قبلهم شهداء 1919 و شهداء ثورة عرابي و لا استثني من ذلك شهيدا.  
تأخرت الحرية في بلادي سبعة آلاف سنة و ضحى الكثيرون بحياتهم من اجلها، فليس من حق احد أن يفرط في بوصة واحدة منها، الثمن كان باهظا، و لن نستطيع دفعه مرة أخرى.

و كيف إذن نحافظ على حريتنا الوليدة، الإجابة تكاد تكون بديهية، لقد ناضل الشعب من اجل أن يكون أمره بيده، و يجب أن يظل أمره بيده، لا يجب أن نقع في فخ استئثار فئة على أخرى أو سيطرة جماعة على مقدرات الشعب إلى الأبد.  يجب أن نحرص على أن يكون للشعب السلطة الأعلى، مع وضع الضوابط التي تتيح للشعب من يتولى عنه هذه السلطة لإدارة شئون البلاد، و ليس لتملكها، فالبلاد ملك الشعب، هو من يقرر وحده من ينيب عنه في الإدارة بطرق عملية و منطقية.

أن ذلك لن يتسنى حتى يكون لنا دستور يرقى لتلك الأحلام المشروعة، هذا الدستور ليس عقدا بين الحاكم و المحكوم فقط، بل هو العقد بيننا جميعا، و يجب أن يقف هذا الدستور على الحياد من كل الطوائف و الجماعات، يمنحها حقوقها بنفس المقدار و يقر عليها واجباتها بالتساوي.


إن الاتفاق على هذه المبادئ الأساسية لهو كفيل بأن يحفظ لنا حريتنا التي هي حق انتزعناه، و حلم نسعى لتحقيقه.

الثلاثاء، 29 مارس 2011

يعني ايه وطن

ماذا يعني الوطن بالنسبة لك، هل هو بيتك و أنت وسط اهلك و كل ما يحمل ذلك من ذكريات و أحلام، هل يمتد إلى شارعك عندما كنت تلهو و تلعب مع أصدقائك و جيرانك، هل هو مدرستك بمعلميها و دروسها،  وحوشها و طابور الصباح، أم يمتد الوطن إلى حييك و مدينتك التي تقطن فيها و تعرفها زى ظهر ايدك، و تعرف مواصلاتها و مطاعمها و ليك في كل حته فيها ذكرى.  أم ترى الوطن يمتد ليشمل بلدك كله، و علمه بألوانه الثلاثة الذي كنت تقف لتحييه في الصباح، أم المنتخب الذي كنت تشجعه بحرقة عندما يفوز و تنتحب عندما يخسر.  أم هو الوطن الذي تحن إليه عندما تغيب عنه لكنه لا يغيب عنك، بل هو الوطن الذي ثرت على نظامه و رددته إليك بعد اغتصابه و شعرت انك تتملكه للمرة الأولى في حياتك.

 كل ذلك بالنسبة لي يعني كلمة واحدة: "الهوية".

فبرغم أن الهوية المصرية راسخة و ثابتة عبر الزمان، إلا إنها اليوم تتعرض لامتحان شديد،  إن الحوار الذي نخشى أن نبدأه حول المادة الثانية من الدستور كمثل الفيل الأبيض الكبير داخل الغرفة الصغيرة، يراه الجميع، و لا يريد احد أن يسأل عنه. ، و ذلك خير دليل على الأزمة التي تمر بها الهوية المصرية اليوم.

لو سألت المواطنين المصريين سؤال مباشر عن المادة الثانية، ستجد الإجابات كلها تدور حول كيف انه لم يحن الوقت لفتح هذا الموضوع!!! متى إذن نتحدث عن هوية الدولة المصرية؟ أبعد كتابة الدستور؟ أليس هذا هو فرضا لرأي جماعة على أخرى؟

المشكلة إن الهوية ليست من الأمور التي يحتكم فيها لرأي الأغلبية فقط، فذلك هو نوع من دكتاتورية الأغلبية على الأقلية.  إن قضية هوية الدولة هي قضية يجب أن تحل بالتوافق، و بالتوافق فقط، كل شيء بالخناق، إلا الهوية بالاتفاق، فليس من حق فرد أو جماعة كبرت أو صغرت، أن يحرمني من الانتماء لوطني و حبي له، هذا ما لا يجب أن يكون، و لا يجب أن أُحرَمُ من فخري و اعتزازي به و شعوري أن مهما اختلفت في الرؤى و التفاسير مع جاري، سنظل أنا و هو أبناء لنفس الوطن، لنفس المدينة و الحي و الشارع ننعم بنفس ذكرياتنا و بصداقتنا دون خوف من اختلافنا.

أرى أن الموضوع قد آن أوانه، بل لقد تأخر كثيرا، و يجب ألا ننتظر أكثر من ذلك، و ادعوا كل مصري أن يسأل نفسه السؤال الآتي: ما هو شكل مصر التي أريدها؟

و للإجابة عن هذا السؤال، لا تبحث بعيدا عن ألفاظ مثل مدنية، و ذات مرجعية إسلامية، ليبرالية، و علمانية؛ سيبك من كل الكلام اللي لا انت و لا انا فاهمينه ، و ودعنا نتخيل، ما هو شكل مصر التي نريدها، ادعوك أن تتخيل أدق التفاصيل، ابدأ بالتفاصيل، فكلنا مصريون، و لكل منا تصور و تخيل، قد نتفق، و قد نختلف، و لكن ما لا يجب الاختلاف حوله هو أن موضوع الهوية يجب أن يكون بالتوافق و ليس بالأغلبية فقط.

المرحلة التالية لتلك الصورة الذهنية التي رسمتها لمصر هي مشاركة الآخرين لتصورك، و محاورة المختلفين معك للوصول إلى ما يجمعنا قبل ما يفرقنا، و حتى في هذا الحوار لا تجنح إلى استخدام مسميات تمنع انسياب الحديث قبل أن يبدأ، و لكن ابدأ الحوار بعقل مفتوح و صدر منشرح و منطق يتقبل الآخر.

بعد ذلك سوف يتشكل رأي عام آخذا في التقارب حتى نصل لشكل الدولة التي نريدها، عندئذ فقط يحين دور اللجان الدستورية و الفقهاء القانونيين لصياغة ما اتفقنا عليه في المادة الثانية للدستور، التي هي تعريف للهوية المصرية،  عندها فقط سنجتاز الامتحان بنجاح.

الاثنين، 21 مارس 2011

الاستفتاء و سنينه

و الآن، و بعد أن ظهرت نتيجة الاستفتاء على غير ما أردنا، و دفعت بنا إلى الصفوف الخلفية، و جب علينا التدبر في النتيجة و تحليل الملابسات التي أدت إلى ظهورها على هذا النحو.

أولا، و قبل أن نبدأ، يجب على الجميع الاعتراف بالنتيجة، فمهما كانت التجاوزات التي حدثت، فهي لا ترقي إلى تغيير النتيجة، و بقى لنا التعايش مع ما يشكل الرأي السائد.

إن التصويت على الاستفتاء لم يكن له علاقة بالتعديلات الدستورية، بل كان استفتاء على وجهات نظر و رؤى سياسية أكثر من كونه استفتاء على المواد المطروحة، و هنا تكمن المشكلة، فريق لا كان في غالبه الأعم الفصيل الليبرالي المنادي بالدولة المدنية، و فصيل نعم كان في غالبه الأعم فصيل الإسلام السياسي الراغب في صبغة الدولة بالإسلامية، و لكل فصيل وجهة نظر يجب أن تحترم، من منطلق حرية الرأي و حرية التعبير.

و لكن ادعوا الجميع إلى التأمل و النظر في نتيجة الاستفتاء على ضوء ما يلي:
لا يجب أن نقع في فخ الزعم بأن الناس التي دفعت للتصويت بنعم هم من البسطاء و العوام الذين تأثروا بوجهة نظر القوى الإسلامية من الإخوان و السلفيين، و لكن كمواطنين لم يجدوا أمامهم من يقارع حجة هؤلاء بحجة أخرى، و مع الاعتراف بأن حجة الإخوان و هي الحفاظ على هوية الدولة الإسلامية، هي حجة من الصعب ردها عند اغلب الناس في مصر.

يجب أن نعترف أيضا بأننا لم نفهم الشارع المصري و لم نعي قوة تأثير اللقاء المباشر بالناس في الشارع، و اكتفينا باستطلاع الفيس بوك على انه مقياس للرأي العام المصري، و تناظرنا فيما بيننا و حاججنا بعضنا عوضا عن النزول للشارع، و ظننا أن تأثير الفيس بوك سيمتد للملايين.  أعترف الآن بالخطأ الذي كنت عليه، بظني أن الوسائل المستخدمة من قبل التيار الليبرالي في مصر توازي العمل في الشارع، بل اجزم اليوم أن تأثيرها لا يقارن بتأثير العمل وسط الجماهير.

الخطأ الثاني الذي وقعنا فيه، هو الاعتماد (أو الظن) بأن هناك رموز لها شعبية ما تقود تيار لا، و بالتالي اكتفينا بظهورهم على الانترنت في إعلانات تدعوا للتصويت بلا.  إن النتيجة أثبتت بالنسبة لي أن الشارع المصري لا يتأثر بأحد بالوكالة، بل يجب الوصول إليه عن طريق العمل المباشر في الشارع كما فعل الإخوان و السلفيين.  فأنا لا أعيب على الإخوان فيما ذهبوا إليه من تطويع الدين لخدمة أغراضهم السياسية، بقدر ما أعيب على التيار الليبرالي بالبعد عن الشعب و الاكتفاء بالاحتماء بالأبراج العاجية و التواصل مع الشعب من خلف النوافذ الالكترونية.

أنا ادعوا من خلال هذه المدونة إلى مؤتمر عام للقوى الليبرالية، بغض النظر عن انتماءاتها الحزبية أو الحركية للنظر في الآتي:

  • العمل على إيجاد مرشحين ليبراليين قادرين على نيل ثقة الجماهير في كل دوائر الجمهورية لخوض الانتخابات على قائمة واحدة، بغض النظر عن الانتماءات الحزبية.
  • توفير الدعم المالي  من مصادر ليبرالية وطنية تحمل رؤى و أحلام التيار الليبرالي المصري الوطني.
  • وضع خطة إعلامية متطورة لتحقيق اكبر قدر من الوصول إلى الناس
  • وضع خطة تحرك لكل مرشحين التيار الليبرالي و التنسيق فيما بينهم من خلال لجنة مركزية لتوحيد الرسالة و الخطاب على مستواها الأعلى مع مراعاة ترك مساحة للمرشحين الحزبيين للالتزام ببرامجهم الحزبية.

إن هذه الدعوة تعد من وجهة نظري هي الفرصة الأخيرة للحفاظ على الوطن من التحول إلى دولة دينية لا مجال فيها إلا لوجهة نظر واحدة، مما سيفرز نظاما لن يسقط و لو بثورة كثورة يناير.


هبوا لنجدة الوطن، فهذه هي المعركة الأخيرة...

الثلاثاء، 8 مارس 2011

متى اصبح الاقباط مجرد ملف

اللعنة على من يزرعون الفتنة، و لكن اللعنة كل اللعنة على من يرويها، و الف مليون لعنة على كل من يسكت عنها. 

بعد متابعة لما حدث في صول بأطفيح، و ما تبعه من مظاهرات قام بها اقباط امام مبنى التليفزيون بماسبيرو، وجدت لزاما على، كما هو لزاما على كل مواطن يخشى على هذا البلد من التفكك و يخشى على الثورة الوليدة من الموت المفاجئ بأن يحدد موقفه بوضوح، الآن و فورا مما يسمى بالفتنة الطائفية.

ليس تحاملا و لكن ستثبت الايام، ان النظام السابق هو من كان يسعى للفتنة بكل انواعها، يسعى للفتنة بين المسلمين و الاقباط، بين الاغنياء و الفقراء، بين البدو و النوبيين و باقي الوطن، بين النقابات و الاتحادات، لم يترك جهاز زرع الفتن -الملقب بجهاز امن الدولة سابقا- فرصة لخلق فتنة بين مواطن و آخر الا و استغلها اسوأ استغلال، تارة بالتدخل المباشر و تارة اخرى بأسلوب منهجى يؤسس للفتنة في المجتمع.

  لن اخوض في غرض الجهاز من ذلك، لانني اتخيل ان الغرض واضح، و اصبح ليس هو مربط الفرس، ان الاهم الآن هو التركة الثقيلة من الفتنة التي تمكن النظام السابق من زرعها في تربة هذا الوطن، و كان يديرها جهاز امنه حسب الرغبة.

اما و قد اندحر جهاز امن الدولة، و ذهب النظام تاركا لنا بقايا الفتن التي لا تجد من يوجهها الآن و تنذر بانفجارات عشوائية مدمرة كمثل ما حدث بصول، فقد وجب علينا استلهام شجاعة الثورة للاعتراف بالمشكلة حتى نبدأ الحل:

المشكلة من وجهة نظرى هي ان عدالة النظام السابق لم تكن عمياء، كانت تحكم على الناس طبقا لدينهم و طبقتهم و انتمائهم، لم تكن تتعامل مع المواطنين انهم سواء، بل كان هناك من هم فوق القانون.  كان هناك من يرتكب جريمة حرق كنيسة و لا يقدم للمحاكمة، بل كان يتم اللجوء لجلسات عرفية و احكام تعود بنا الى عصر ما قبل الدولة.  كان لزاما على العدالة الا تنظر الى الحادث في صول على انه اعتداء من مسلمين على كنيسة يستوجب التعامل بحكمة و تروي، ان هذا المنطق هو الذي غلب التطرف على العدل.

بل يجب علينا ان ننظر الى الموقف انه اعتداء من مجرمين على ملكية خاصة و عامة، و نطبق القانون بلا تردد.  

ان الانتماء لفئة تقع على الجانب الاضعف من التسلسل الهرمي في تطبيق القانون يولد الاحتقان، و الاحتقان ان زاد يولد الانفجار، و هذا ما يجدث في ماسبيرو الآن.

أما و قد عرفنا المشكلة، فالحل يكاد يكون تلقائي، الكلمة السحرية التي ستذهب بكل مشاكل الوطن و تعلوا به فوق كل الفتن.  الحل هو القانون، القانون الذي يطبق على الجميع دون استثناء، و اي ما كان حساسية الموقف، او اي ما كان شأن المواطن.

لو لم نعصب عين العدالة عن جنس، او دين، او فئة اي مواطن، لو لم نقيم القانون على الاغلبية و على القوي، قبل الاقلية و الضعيف، لن يكون لنا وطن.

وجب علينا ان نفتح الحوار على مصراعيه، يجب ان نتحدث و بحرية عن اي مواطنة نريد، هل نسعى الى مسميات فارغة لا تحمل اي معاني، ام نسعى الى تحقيق قيم حقيقية تذهب بأفكار بالية ترسبت بفعل النظام السابق من تطرف و انعزالية داخل وجدان المواطن المصري.

ان الوقت لذلك الحديث هو الآن، و نحن نشرع في بناء دولة جديدة، اتمنى لها ان تقوم على قيم الحق و الحرية و العدالة لكل مواطنيها.

الأحد، 6 مارس 2011

ماذا بعد (2)


هناك ما يسمى بالنبؤة التي تحقق نفسها، بمعنى ان مجرد التنبؤ بشئ هو بداية لمجموعة من الاحداث التي تؤدي الى حتمية حدوثه.  وجدتني اقف امام تلك المقولة طويلا و انا اراقب تطور الموقف الامني في مصر منذ اندلاع ثورة 25 يناير.

قبيل الثورة كنت ازعم ان هناك مؤسسات اربع تحكم مصر، هي المؤسسة العسكرية ممثلة في الجيش و المخابرات العسكرية و العامة، المؤسسة الامنية و هم امن الدولة و الامن المركزي، ثم مؤسسة الرئاسة، و اخيرا المؤسسة الرابعة و الاخيرة و هي الحزب الوطني.  اقتسمت تلك المؤسسات السلطة في مصر و حافظت على المسافات فيما بينها و كانت كلها تدين بالولاء "للنظام" ممثلا في الرئيس.  كان لمؤسسة الحزب الوطني و الامن دور مباشر في ادارة الوطن، و كان الجيش يلعب دور المراقب احيانا و المتدخل احيانا اخرى في بعض الملفات، و لكن من وراء الستار.  كان ايضا الرأي الغالب هو ان مصر قد اوشكت على التغيير، و لكن لم تتفق اي من المؤسسات على آليات التغيير او حتى مذا ستكون نتيجة هذا التغيير.  كان الوضع ضبابيا و منقسما في احسن الاحوال.

ثم قامت الثورة فقضت على الحزب الوطني بالكامل، و اتت على مؤسسة الرئاسة فلم تعد موجودة، و انهت قبضة الداخلية و امن الدولة الحديدية على الحكم، و لم يبقى غير المؤسسة العسكرية بفضل دعمها لثورة الشعب.  كما ظهر لاعب جديد على الساحة، بل اصبح هو اللاعب الاقوى، فاصبحت مصر بعد الثورة تحكم عن طريق القوات المسلحة و الشعب، ذلك المارد الذي استيقظ و طالب بحقه في حكم نفسه. اصبح الشعب يملي رغبته على حكامة فرأينا رئيس الوزراء المكلف يذهب الي ميدان التحرير ليكتسب (حسب قوله) الشرعية من الشعب.

أن هذا المشهد البديع يكاد يكون نهاية لقصة جميلة تنتهي النهاية السعيدة، و لكن هناك من له راي آخر، ان فلول المؤسسات المهزومة لن ترضى للشعب ان يهنأ بنصره، ان تلك النهاية هي نهاية لهم، لقد سقط النظام السابق بكل مؤسساته و لكنه لم ينتهي، مازال هناك من يريد عكس ما اراد الشعب، هناك من يرتعد من مطالب الشعب لتحقيق العدالة، هم يعلمون ان لا مكان لهم في النظام الجديد، و سوف يعملون على مقاومة النظام الجديد مقاومة الذي يتمسك بحياته.

من الواضح منذ اليوم الاول، ان الاسلوب الذي سوف يتبعونه لاخماد الثورة هو الترويع و الترهيب، و التهديد بغياب الامن، فرأينا بقايا جهاز الشرطة المنهار بالتعاون مع الميليشيات العسكرية للحزب الوطنى المحروق، يمارسون اعمال ارهاب عشوائي في شوارع مصر، لا تهدف الى الاعتداء على المواطنين بشكل مباشر بقدر ما كانت تهدف لاثارة الزعر، و خلق حالة من الاحساس بانعدام الامن.

ثم اتى دور الجهاز الاعلامي الذي كان ينتمى للنظام المنهار، فأبى ان يترك الساحة دون ان يرتكب ابشع جرائمه ضد الشعب، ففبرك قصص الاعتداء على المواطنين و اتى بمأجورين من الحزب الوطني و اذنابه ليظهروا على الشاشة و يبثوا حالة الفزع في نفوس المواطنين بقصص مختلقة عن اعتداءات وهمية.

كانت هذه الفعلة بمثابة اخراج وحوش الشائعات من الاقفاص، ظنا منهم ان الشعب سيأتي  اليهم مهرولا لكي يحموه من حالة الفزع، فالخوف سلاحهم الوحيد منذ ثلاثين عاما للسيطرة على هذا الشعب.  و فاتهم ان الثورة ازاحت الخوف الى غير رجعة.

اما الآن بعد ان رحل الزبانية، علينا ان نعيد وحوش الشائعات الى الاقفاص، علينا ان نقضي على حالة اللا امن، و الخطوة الاولى هي ان نعكس حالة الترويع و الفزع، يجب ان نعلم ان الخوف من غياب الامن يؤدي الى حالة من الفزع التى بدورها تؤدي الى حالةغياب الامن، تماما مثل النبؤة التي تتحقق بمجرد التنبؤ بها.  هناك دائما من هم انتهازيين و مجرمين سوف يستغلون تلك الحالة ليخرجوا عن القانون، هم يشتمون فينا رائحة الخوف، و سوف يزيدهم ذلك جرأة للخروج عن القانون.

الحل هو التحلى بروح الثورة، بالشجاعة، بالترويج لروح من التفاؤل و الاحساس بالامان، فتلك ايضا نبؤة تحقق نفسها، دعونا نعيد وحوش الشائعات الى اقفاصها، كن شجاعا و لا تردد شائعة لا تعلم مصدرها، فبذلك انت تسهم في حالة الفوضى.

توقفوا عن الخوف الآن، تحلوا بشجاعة الثورة، فلن يعمر الوطن لا خائف و لا متشائم.

الاثنين، 28 فبراير 2011

ماذا بعد (1)



نجحت الثورة.  نعم هي ثورة، بل هي الثورة الاعظم في تاريخ البشرية، هذا ما ادعيه انا، و ظني ان هذا ما سوف يثبته التاريخ.

لا ينافس هذه الثورة في الحجم و القدر غير ما ينتظرنا من اعباء جسام لاعادة بناء الوطن الذي استرددناه في ثمانية عشر يوما، بعد فقدان دام ما يزيد على ستين سنة.  المهمة الاولى و الاصعب في نظري هي العودة للهدوء و العقل و الحكمة.  ان الثورات هي عمل يتسم بالفوران و الانفعال و هي طاقة هادرة غير موجهة، ادت الى انفجار احدث دوي هائل مما ادى الى التغيير الذي كان من المستحيل حدوثه باي طريقة اخرى.

و لكن، بعد ان حدث التغيير، لابد لصوت الحكمة ان يبدأ في الحديث شيئا فشيئا، لست من انصار كبت جماح الثورة فجأة، فالثورة قالقطار المندفع، يجب ان يأخذ وقته و مساحته في الوقوف، و لكن من الافضل ان نبدأ في اتخاذ تدابير لمرحلة ما بعد وقوف القطار.  مرحلة اعادة بناء الوطن.

أن اول هذه الخطوات هي اعادة بناء و تأهيل جهاز الشرطة،  او بمعنى ادق اعادة تهيأة مرفق الامن في الوطن.  قليلون هم من يدركون حجم المشكلة، فالناس جميعا يظنون ان الحل يكمن في ان تعود الشرطة الى الشارع.  بل ان الناس جميعا يطالبون بعودة الشرطة الى الشارع كحل فورى لكل المشاكل الامنية الحالية.  كم هم مخطئون!!!!

ان عودة نفس رجال الشرطة بنفس التدريب، و نفس القيادات و نفس التركيبة لهو ردة الى عصر ما قبل الثورة، ان الشرطة ككيان، كان احد اهم اسباب الثورة، فكيف نطالب بعودة الشرطة على ما كانت عليه مع تغييرات شكلية في الوجوه، ان اتباع نفس الخطوات يؤدي في النهاية لنفس النتائج، و كلما اسرعنا في استيعاب حجم التغيير الذي احدثته ثورة 25 يناير كلما كان افضل.  أن شعب ما قبل 25 يناير كان تحكمه شرطة ما قبل 25 يناير، اما شعب ما بعد 25 يناير لن يقبل شرطة ما قبل 25 يناير، ان الشعب اليوم لن يقبل بغير شرطة تسهر على امنه و راحته، و لا تقوم على خدمة احد غيره.

إن المشكلة في جهاز امن الوطن تكمن في العقلية التسلطية لرجال الشرطة.  عندما نأخذ في الاعتبار ان حالة الطوارئ مطبقة في مصر منذ ما يزيد على ستون عاما، فيما عدا استثناء بسيط جدا، في مراحل ما قبل عهد الرئيس الاخير، و تواصل تطبيقها في الثاثين عاما الاخيرة.  اذن نحن امام حالة دائمة و ليست حالة "طوارئ"، ان الطارئ مؤقت، اما ما نحن بصدده هو جهاز امني لم يحكم بالقانون يوما واحدا في حياته، على اعتبار ان ضباط الشرطة الاقدم اليوم تقارب مدة خدمتهم 35 عاما، فهذا الجهاز فقد القدرة على الحكم بغير "حالة الطوارئ".

أن الوطن لا يستطيع الحياة بدون امن، و من وجهة نظرى، كل قيادات الشرطة الحالية لا تصلح لقيادة جهاز مسئول عن امن الوطن، نحن في حاجة ماسة الى حلول قصيرة المدى، و حلول بعيدة المدى:

اما عن الحلول قصيرة المدى، فيجب الآن و فورا الاسراع في التحقيقات و المحاكمات في الفساد و الجرائم التي ارتكبها اعضاء في جهاز الشرطة و بالاخص الاعتداءات الاخيرة التي اودت بحياة شهداء ابرياء من خيرة شباب الوطن

يجب حل جهاز امن الدولة فورا و بدون اي تراخي.  ان هذا الجهاز كان يقوم في الاشمل الاعم من مهامه بحماية النظام السابق،و عندما يسقط النظام، فيجب ان يسقط هذا الجهاز معه.  اما في بعض الاختصاصات التي كانت تمت للامن القومي، كالارهاب  او اختراق المنظمات الارهابية للمجتمع المصري، فيمكن لجهاز المخابرات العامة تولى تلك الملفات حتي يتم انشاء جهاز امن قومي داخلي.  مع رفع يد اي جهة امنية عن ملفات الاقباط و النوبة و البدو و النقابات و الاحزاب، بل التوقف فورا عن استخدام لفظ "ملفات" لكل هذه الفئات من المجتمع التي لها ما لكل المجتمع من حقوق و عليها ما على كل المجتمع من واجبات.

يجب الآن و فورا تولي قيادة الشرطة الى رجل قانون على دراية بحقوق الانسان، و لا ينتمي الى جهاز الشرطة، و ذلك بنية ادارة الجهاز الحالى و تنقيته من لا يستطيعون التكيف مع الوضع الجديد، و ليس فقط محاسبة المخطئين و المتجاوزين.  ان هناك من رجال الشرطة من هم لن يستطيعوا مواكبة التغيير الذي عصف بالجهاز، و سوف يحاولون العودة الى الاساليب القديمة التي هي من اهم اسباب الثورة.  

يجب اعادة تأهيل من يتم اختيارهم ممن تبقى من جهاز الشرطة على احترام القانون و الحقوق العامة للمواطن و ان حرية المواطن و بالتالي الشعب في التعبير عن رايه هي من اهم اسس الامن القومي.

ان فرصة نجاح من يتولى جهاز الشرطة في المرحلة المقبلة مرهونة، في نظري، بمدى استيعابه و ايمانه بعمق التغيير المطلوب الذي فرضته ثورة يناير، و لكن ما يثير القلق في نفسي هو انني لا ارى ذلك في القيادات الحالية، و اكبر مثال على ذلك تصريحات وزير الداخلية الصادمة التي حاولت تبرير و تبرأة جهاز الشرطة من احداث يناير. 


ان المهمة في الفترة القادمة صعبة، و سوف يتحمل الشرفاء من رجال الشرطة اعباء لن يقدرون على حملها وحدهم، هم في حاجة ماسة الى دعم الشعب، و لكن الشعب لا يريد العودة الى الوراء، و على رجال الشرطة الشرفاء تنقية مؤسستهم، و تقديم الاثبات للشعب انهم جهاز آخر، غير شرطة ما قبل 25 يناير، ليس بتغيير الملبس و المظهر و الوجوه، و لكن بتغيير الفكر و الثقافة و الاقدام على خطوات جريئة مثل ما طرحنا، حت تعود الثقة مرة اخرى.