آخر الأنباء

« »

الأربعاء، 27 يوليو 2011

رحلة تاكسي


اليوم كنت على موعد مع لقاء ممتع مع واحد من الناس، سائق تاكسي مصري اصلي يتمتع بخفة الظل المصرية المعروفة، و بالإضافة لحكمة سائقي التاكسي التي طالما اذهلتني. فكم من الافكار تأتي من الشارع، و من افضل من سائقي التاكسي لتجميع رأي الشارع.
تحدثنا كثيرا في امور عدة، لقد كان المشوار اليوم من مصر الجديدة حتى المهندسين، و لكنني لم اشعر بطول المشوار على الاطلاق.  سالته في البداية عن سيارته الصينية الصنع و عن مدى رضاه عنها و عن مشروع التاكسي الجديد، لم احتاج الى كثير من الكلمات، بل كأنني ضغط على موضع الالم، لقد سالت من فم الرجل انهار و انهار من السباب و الشتائم في حق وزير المالية السابق و بين وصلات السباب بعض الكلمات لتوضيح ما يؤكد لي الرجل انها الحقيقة بعينها، بدأت قصة الرجل بان “الحكومة” خدت منه عربيته البيجو اللي كانت حالتها زي الفل و مش مكلفاه غير الزيت و البنزين، اللي كمان كان 80. و حسبوها ب خمسة آلاف جنيه، في حين ان تمنها بره ستين الف جنيه، و يستطرد الرجل منبها اياي عن السبب الرئيسي وراء المشروع:  “الاجنصات اللي حالها واقف اشتغلت، و البنوك اللي حالها كان واقف علشان الازمة المالية اشتغلت، و احمد عز خد العربيات القديمة حديد و ببلاش، يعن كله كسبان، و قالولنا ان القسط هيجيبوا شركة اعلانات تدفع نصه! دلوقتي شركة الاعلانات انسحبت، و السواق الغلبان هو اللي شال الليلة.
بغض النظر عند دقة ما سرده و لكن انا أتساءل اين شركة الاعلانات التي كانت ستتحمل تكلفة الاقساط عن كاهل السائقين؟  لقد فرض النظام السابق على السائقين استبدال سياراتهم القديمة، و لكن كان يجب ان يكون المشروع مجدي للسائق، اما بعد انسحاب شركة الاعلانات، و هي بالمناسبة انسحبت قبل الثورة، فتركت المشروع ليس فقط غير مجدي للسائق، بل هو الخراب بعينه، فمن اين يأتي السائق بمبلغ لا يقل عن 1300 جنيه كل شهر هي ثمن القسط بالإضافة الى مصاريف السيارة من صيانة و بنزين و خلافه، و هي حسب كلامه لا تقل عن 1500 جنيه اخرى في الشهر. اي المطلوب من السائق الآن ان يتحصل على ما لا يقل عن 4000 جنية، اي بواقع 130 جنيه على الاقل في اليوم حتى يتسنى له العيش عل حد الكفاف.
المذهل في الامر، هو نظرته الفلسفية لما يجري في البلد، لقد حاكم هو النظام السابق و اعلن الحكم العادل من وجهة نظره، و التي ارى انه فعلا الحكم الامثل على كل رموز النظام السابق.  فكرة صديقي سائق التاكسي تتلخص في الافراج عن كل افراد النظام السابق، و مع تخصيص معاش 300 جنيه في الشهر لكل منهم، و تركهم ليتذوقوا مرار العيش الذي سببوا للملايين فيه، قال لي:” انا عايز سوزان بقى تلبس الجلابية السودا و تنزل تقف في طابور المعاشات قدام البوسطة من الساعة ستة الصبح للساعة ثلاثة بعد الضهر علشان تتحصل على المعاش. انما الاعدام و السجن دول راحة بالنسبة لهم.
و شهد ايضا محمد صديقي على ثورة التحرير و قال: “حالي واقف و الشغل مفيش من يوم 25 يناير، و سمعت ان بيدوا فلوس و كنتاكي، روحت قلت آكل انا الكنتاكي و آخذ الفلوس للعيال، روحت لا لقيت كنتاكي، و لا لقيت فلوس، لقيت ناس في ايده رغيف واحد و بيقسمه مع اللي جنبة اللي ميعرفوش، و احد جايب بلح، و بيعزم على الناس، و محدش بياخد اكتر من بلحة، بصراحة لقيت جو مشفتوش قبل كده، بقيت اروح كل يوم”
استمتعت بالرحلة ايما استمتاع، و تركت الرجل بعد ان تواعدت معه بأن القاه مجددا، و طلبت منه الا يترك حقه مرة اخرى و ان يتأكد من كل من حوله يحسنون اختيار من يمثلوهم و يحكمونهم.
و بصراحة تركته و انا متطمئن على مصر

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف3/01/2012

    أوافقك الرأي ان مهما كانت ثقافه سائق التاكسي ولكنه بالطبع انسان شريف ويستحق ان يأخذ حقه ..... مشروع التاكسي مثال جيد لموضوع و قانون يجب ان يراجع و تناقش خطواته في مجلس الشعب ..... يعني استجواب في المجلس عن طريق احد ممثلي الشعب عن الوفد ..... صح ؟

    تامر مسلم

    ردحذف