آخر الأنباء

« »

الثلاثاء، 29 مارس 2011

يعني ايه وطن

ماذا يعني الوطن بالنسبة لك، هل هو بيتك و أنت وسط اهلك و كل ما يحمل ذلك من ذكريات و أحلام، هل يمتد إلى شارعك عندما كنت تلهو و تلعب مع أصدقائك و جيرانك، هل هو مدرستك بمعلميها و دروسها،  وحوشها و طابور الصباح، أم يمتد الوطن إلى حييك و مدينتك التي تقطن فيها و تعرفها زى ظهر ايدك، و تعرف مواصلاتها و مطاعمها و ليك في كل حته فيها ذكرى.  أم ترى الوطن يمتد ليشمل بلدك كله، و علمه بألوانه الثلاثة الذي كنت تقف لتحييه في الصباح، أم المنتخب الذي كنت تشجعه بحرقة عندما يفوز و تنتحب عندما يخسر.  أم هو الوطن الذي تحن إليه عندما تغيب عنه لكنه لا يغيب عنك، بل هو الوطن الذي ثرت على نظامه و رددته إليك بعد اغتصابه و شعرت انك تتملكه للمرة الأولى في حياتك.

 كل ذلك بالنسبة لي يعني كلمة واحدة: "الهوية".

فبرغم أن الهوية المصرية راسخة و ثابتة عبر الزمان، إلا إنها اليوم تتعرض لامتحان شديد،  إن الحوار الذي نخشى أن نبدأه حول المادة الثانية من الدستور كمثل الفيل الأبيض الكبير داخل الغرفة الصغيرة، يراه الجميع، و لا يريد احد أن يسأل عنه. ، و ذلك خير دليل على الأزمة التي تمر بها الهوية المصرية اليوم.

لو سألت المواطنين المصريين سؤال مباشر عن المادة الثانية، ستجد الإجابات كلها تدور حول كيف انه لم يحن الوقت لفتح هذا الموضوع!!! متى إذن نتحدث عن هوية الدولة المصرية؟ أبعد كتابة الدستور؟ أليس هذا هو فرضا لرأي جماعة على أخرى؟

المشكلة إن الهوية ليست من الأمور التي يحتكم فيها لرأي الأغلبية فقط، فذلك هو نوع من دكتاتورية الأغلبية على الأقلية.  إن قضية هوية الدولة هي قضية يجب أن تحل بالتوافق، و بالتوافق فقط، كل شيء بالخناق، إلا الهوية بالاتفاق، فليس من حق فرد أو جماعة كبرت أو صغرت، أن يحرمني من الانتماء لوطني و حبي له، هذا ما لا يجب أن يكون، و لا يجب أن أُحرَمُ من فخري و اعتزازي به و شعوري أن مهما اختلفت في الرؤى و التفاسير مع جاري، سنظل أنا و هو أبناء لنفس الوطن، لنفس المدينة و الحي و الشارع ننعم بنفس ذكرياتنا و بصداقتنا دون خوف من اختلافنا.

أرى أن الموضوع قد آن أوانه، بل لقد تأخر كثيرا، و يجب ألا ننتظر أكثر من ذلك، و ادعوا كل مصري أن يسأل نفسه السؤال الآتي: ما هو شكل مصر التي أريدها؟

و للإجابة عن هذا السؤال، لا تبحث بعيدا عن ألفاظ مثل مدنية، و ذات مرجعية إسلامية، ليبرالية، و علمانية؛ سيبك من كل الكلام اللي لا انت و لا انا فاهمينه ، و ودعنا نتخيل، ما هو شكل مصر التي نريدها، ادعوك أن تتخيل أدق التفاصيل، ابدأ بالتفاصيل، فكلنا مصريون، و لكل منا تصور و تخيل، قد نتفق، و قد نختلف، و لكن ما لا يجب الاختلاف حوله هو أن موضوع الهوية يجب أن يكون بالتوافق و ليس بالأغلبية فقط.

المرحلة التالية لتلك الصورة الذهنية التي رسمتها لمصر هي مشاركة الآخرين لتصورك، و محاورة المختلفين معك للوصول إلى ما يجمعنا قبل ما يفرقنا، و حتى في هذا الحوار لا تجنح إلى استخدام مسميات تمنع انسياب الحديث قبل أن يبدأ، و لكن ابدأ الحوار بعقل مفتوح و صدر منشرح و منطق يتقبل الآخر.

بعد ذلك سوف يتشكل رأي عام آخذا في التقارب حتى نصل لشكل الدولة التي نريدها، عندئذ فقط يحين دور اللجان الدستورية و الفقهاء القانونيين لصياغة ما اتفقنا عليه في المادة الثانية للدستور، التي هي تعريف للهوية المصرية،  عندها فقط سنجتاز الامتحان بنجاح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق