آخر الأنباء

« »

الأحد، 6 مارس 2011

ماذا بعد (2)


هناك ما يسمى بالنبؤة التي تحقق نفسها، بمعنى ان مجرد التنبؤ بشئ هو بداية لمجموعة من الاحداث التي تؤدي الى حتمية حدوثه.  وجدتني اقف امام تلك المقولة طويلا و انا اراقب تطور الموقف الامني في مصر منذ اندلاع ثورة 25 يناير.

قبيل الثورة كنت ازعم ان هناك مؤسسات اربع تحكم مصر، هي المؤسسة العسكرية ممثلة في الجيش و المخابرات العسكرية و العامة، المؤسسة الامنية و هم امن الدولة و الامن المركزي، ثم مؤسسة الرئاسة، و اخيرا المؤسسة الرابعة و الاخيرة و هي الحزب الوطني.  اقتسمت تلك المؤسسات السلطة في مصر و حافظت على المسافات فيما بينها و كانت كلها تدين بالولاء "للنظام" ممثلا في الرئيس.  كان لمؤسسة الحزب الوطني و الامن دور مباشر في ادارة الوطن، و كان الجيش يلعب دور المراقب احيانا و المتدخل احيانا اخرى في بعض الملفات، و لكن من وراء الستار.  كان ايضا الرأي الغالب هو ان مصر قد اوشكت على التغيير، و لكن لم تتفق اي من المؤسسات على آليات التغيير او حتى مذا ستكون نتيجة هذا التغيير.  كان الوضع ضبابيا و منقسما في احسن الاحوال.

ثم قامت الثورة فقضت على الحزب الوطني بالكامل، و اتت على مؤسسة الرئاسة فلم تعد موجودة، و انهت قبضة الداخلية و امن الدولة الحديدية على الحكم، و لم يبقى غير المؤسسة العسكرية بفضل دعمها لثورة الشعب.  كما ظهر لاعب جديد على الساحة، بل اصبح هو اللاعب الاقوى، فاصبحت مصر بعد الثورة تحكم عن طريق القوات المسلحة و الشعب، ذلك المارد الذي استيقظ و طالب بحقه في حكم نفسه. اصبح الشعب يملي رغبته على حكامة فرأينا رئيس الوزراء المكلف يذهب الي ميدان التحرير ليكتسب (حسب قوله) الشرعية من الشعب.

أن هذا المشهد البديع يكاد يكون نهاية لقصة جميلة تنتهي النهاية السعيدة، و لكن هناك من له راي آخر، ان فلول المؤسسات المهزومة لن ترضى للشعب ان يهنأ بنصره، ان تلك النهاية هي نهاية لهم، لقد سقط النظام السابق بكل مؤسساته و لكنه لم ينتهي، مازال هناك من يريد عكس ما اراد الشعب، هناك من يرتعد من مطالب الشعب لتحقيق العدالة، هم يعلمون ان لا مكان لهم في النظام الجديد، و سوف يعملون على مقاومة النظام الجديد مقاومة الذي يتمسك بحياته.

من الواضح منذ اليوم الاول، ان الاسلوب الذي سوف يتبعونه لاخماد الثورة هو الترويع و الترهيب، و التهديد بغياب الامن، فرأينا بقايا جهاز الشرطة المنهار بالتعاون مع الميليشيات العسكرية للحزب الوطنى المحروق، يمارسون اعمال ارهاب عشوائي في شوارع مصر، لا تهدف الى الاعتداء على المواطنين بشكل مباشر بقدر ما كانت تهدف لاثارة الزعر، و خلق حالة من الاحساس بانعدام الامن.

ثم اتى دور الجهاز الاعلامي الذي كان ينتمى للنظام المنهار، فأبى ان يترك الساحة دون ان يرتكب ابشع جرائمه ضد الشعب، ففبرك قصص الاعتداء على المواطنين و اتى بمأجورين من الحزب الوطني و اذنابه ليظهروا على الشاشة و يبثوا حالة الفزع في نفوس المواطنين بقصص مختلقة عن اعتداءات وهمية.

كانت هذه الفعلة بمثابة اخراج وحوش الشائعات من الاقفاص، ظنا منهم ان الشعب سيأتي  اليهم مهرولا لكي يحموه من حالة الفزع، فالخوف سلاحهم الوحيد منذ ثلاثين عاما للسيطرة على هذا الشعب.  و فاتهم ان الثورة ازاحت الخوف الى غير رجعة.

اما الآن بعد ان رحل الزبانية، علينا ان نعيد وحوش الشائعات الى الاقفاص، علينا ان نقضي على حالة اللا امن، و الخطوة الاولى هي ان نعكس حالة الترويع و الفزع، يجب ان نعلم ان الخوف من غياب الامن يؤدي الى حالة من الفزع التى بدورها تؤدي الى حالةغياب الامن، تماما مثل النبؤة التي تتحقق بمجرد التنبؤ بها.  هناك دائما من هم انتهازيين و مجرمين سوف يستغلون تلك الحالة ليخرجوا عن القانون، هم يشتمون فينا رائحة الخوف، و سوف يزيدهم ذلك جرأة للخروج عن القانون.

الحل هو التحلى بروح الثورة، بالشجاعة، بالترويج لروح من التفاؤل و الاحساس بالامان، فتلك ايضا نبؤة تحقق نفسها، دعونا نعيد وحوش الشائعات الى اقفاصها، كن شجاعا و لا تردد شائعة لا تعلم مصدرها، فبذلك انت تسهم في حالة الفوضى.

توقفوا عن الخوف الآن، تحلوا بشجاعة الثورة، فلن يعمر الوطن لا خائف و لا متشائم.

هناك تعليق واحد: