آخر الأنباء

« »

السبت، 1 مارس 2008

و عاد الزبال - اهلا بالزبال

بمنتهى الهدوء، و بدون اي صخب، عاد الزبال الي شوارع القاهرة بعد انقطاع دام بضعة اعوام ظل فيها يتابع عن كثب المحاولات البائسة لمزاحمته في جمع القمامة. ظل يراقب الشركات التي اوكلت اليها الحكومة تلك المهمة، اذ كنا نراه قابعا بقفته المعروفة، منكبا على صناديق الشركة ليقوم بفرز القمامة كسابق عهده و ترك ما لا ينفعه منها على الارض بجوار الصندوق حلالا بالالا للقطط و الكلاب الضالة، ظل مترقبا اليوم الذي سترفع فيه الحكومة الراية اليضاء و تعلن عجزها عن جمع القمامة. و قد حل هذا اليوم، و انتصر الزبال علي الدولة، تلك الدولة التي ظنت انها تستطيع ان تأتي بالبديل الاحسن و العصري، ففرضت الضرائب علي الناس في صورة رسوم نظافة تضاف على فواتير الكهرباء لتتمكن من التعاقد مع شركات اجنبية تقوم بجمع قمامة المصريين.

حاول الزبالون الاجانب، و لكنهم فوجئوا بأن القمامة تزيد و لا تنقص، كلما جمعوا اكثر، ياتي الناس بقمامة اكثر، و صارت اطنان القمامة تعلو في ارقي احياء القاهرة. و بدأت المشاكل، شكاوى و اتهامات متبادلة بين الشركات و الحكومة متمثلة في المحافظات الي ان انتهي الامر بفسخ عقود الشركات الاجنبية، التي نتج عنها قضايا دولية منظورة في المحاكم بالخارج و التي اغلب الظن انها ستكلف الدولة اعباء اخري في صور تعويضات لفسخ العقود.

و اليوم، بعد ان استسلمت الدولة و رفعت الراية البيضاء، و بهدوء، و بمنتهى النبل و الكرم و بلا اي شماته، يتقدم الزبال الوطني المخلص، لحمل قفة القمامة من جديد، و العودة الي اداء المهمة التي عجزت اجهزة الدولة عن اداءها.

ان القصة السابقة اكبر دليل على عجز الحكومة الحالية، كما عجزت كل الحكومات التي سبقتها عن ادارة شئون البلاد. هذه ليست قصة منفردة نسردها وسط نجاحات مدوية و انجازات خارقة، بل هي سطر جديد في سجل الاخفاقات الطويل الذي مل المصرييون من حصر بنوده، ان اي من محتويات هذا السجل يكفي لاقالة الحكومة في اي دولة من اي عالم اول كان ام ثالث، و لكننا في مصر اعتدنا فشل الحكومة حتي اصبح هذا الفشل هو طبيعة الحال، و بالتالي فنحن لا نحاسبهم عند الفشل، بل نكتفي بمص الشفاة و الترحم على ايام زمان. اي زمان هذا، لا احد يدري، و لكن بالتأكيد الترحم على الزمن الماضي هو اوقع من تمني مستقبل مشرق، نعرف جميعا انه لن يأتي على ايدي هذا النظام.









هناك تعليق واحد:

  1. عزيزي الباشمهندس،

    إن مشكلة الزبالة في بلدنا العريق تعود جذورها لعراقة بلدنا العريق ذاته. فهي أحد المشكلات أو الموروثات التي لن تحل إلا عن طريق وقفة جادة من قبل الشعب والحكومة والزبالين (في هذا الترتيب). فالشعب هو مصدر القمامة، والحكومة مسئولة عن رفع هذه القمامة، أما الزبال فهو "المستفيد الوحيد" من جمع القمامة، ذلك الكنز الذي لا يدري عنه أحد ولن يفكر أحد على الاطلاق في بلدنا العريق، أن يستغله في مجال آخر. في أوروبا والدول المتقدمة يقولون أن قمامة الآخرون هى كنز لا يقدر بثمن. وهذه العبارة نسمعها كثيرا وعلى الارجح العديد من الناس لا يفهم معناها. ففي اليابان مثلا، تقوم المصانع المسئولة عن تدوير المخلفات باستغلال كل ما يمكن أن تجده في القمامة: بقايا الطعام تحول الى نوع من الوقود الحيوي، والى بعض أنواع الاسمدة ومنتجات أخرى كالصمغ. يتم أيضا ضغط الورق والصفيح والبلاستيك وخلافه لصنع منصات صناعية لتكون ركائز أو جزر اصطناعية في المحيط يتم عليها بناء كباري لربط الجزر اليابانية ببعضها. وهذا من بلد دمر تماما عقب الحرب العالمية الثانية، وكان من الممكن أن تصبح اليابان مجرد بلدا عريقا مثلنا الآن، ولكن ما الذي دفعهم بعد هذه الهزيمة أن ينفضوا عن أنفسهم مرارة الانكسار وأن يقفوا شامخين في وجه العالم وأن يستمروا في التفكير في خلق سبل جديدة ومبتكرة لتدوير القمامة وخلافه. هل السبب في فشل الدولة في جمع القمامة يرجع الى فقر الفكر أم أنه فكر الفقر أن ينتصر الزبالون في النهاية؟ أقترح لحل هذه الأزمة تشكيل وزارة متخصصة في أعمال الزبالة وخلافه.

    وشكرا

    ردحذف